فارس الرواح
إلى ألمانيا في رحلة عبر الزمن خرجت من مدينة بروكسيل في اتجاه مدينة كولن استجابة لدعوة كريمة من صديقي وجاري العزيز وليد مهرية ، هذه المرة أردت أن أكتشف لوحدي الحدود البلجيكية الألمانية أردت أن أعرف لوحدي الحد الفاصل بينهما وفعلا عرفت الحدود من خلال شيء واحد هو شكل الطريق السيار الذي تغير فجأة …
وصلت حوالي الساعة الخامسة مساءا إلى مدينة كولن وبالظبط إلى أحد الأحياء الجامعية وأن ما أراه أمامي يختلف شكلا ومضمونا عما رأيته بهولتدا وبلجيكا ، وقفت للحظة أتأمل بنايات الحي الجامعي وما يحيطه من حدائق خضراء من كل الجوانب ، فعادت بي الذكريات إلى سنوات الجامعة هناك بمدينة وجدة وذلك الكبت التاريخي الذي عشناه جميعا ، المكان جد مناسب للدراسة يتميز بهدوء كبير يسكنه عدد كبير من الطلبة بمختلف الجنسيات ، حيث يكون السكن عبارة عن شقة مشتركة بين طالبين يدفع كل واحد منهما لغرفة واحدة مبلغ 200 أورو شهريا بما في ذلك الماء والكهرباء ، بحيث يشاركان في الشقة المنافع الأخرى كالمطبخ والحمام ، بعد قليل سأصعد البناية رقم 23 والتي تتكون من أزيد من 13 طابقا ، طريقة صعود هذه البناية أمر محير فعلا حيث وزعت على كل طالب من قاطني هذه العمارة نسخة واحدة من نفس المفتاح يمكن من خلاله فتح باب البناية كما يمكنه بعد ذلك فتح المصعد الكهربائي الذي لا يمكن أن يستجيب بدونه ، لكنك حينما تصل إلى الطابق المطلوب نفس هذا المفتاح يفتح فقط باب شقتك دون باقي الشقق كما يفتح فقط باب غرفتك ولا يمكنه فتح غرفة من يشاركك نفس الشقة وهو الأمر نفسه بالنسبة للبقية وهكذا …. الطالب هنا يسمح له باستعمال بطاقته أقصد بطاقة الطالب في استعمال وسائل النقل على مستوى ولاية كولن ، نفس هذه البطاقة لها دور عجيب فأسفل العمارة هناك مكان خاص لغسل الملابس من خلال ماكينات الغسيل التي لا تستجيب إلا باستعمال هذه البطاقة مع ملاحظة أن من يحضر مباشرة بعد انتهاء الغسيل حتى يفتح المجال لطالب أخر يستفيد من مبلغ مالي يدخل مباشرة إلى حسابه البنكي … إنها ألمانيا يا سادة …. رسالة اعتذار نصية تأتي لصديقي تخبره بانقطاع خدمة الماء الساخن لبعض الوقت بسبب الأشغال الجارية مع تحديد توقيت إرجاعه بالدقيقة أقول الماء الساخن وليس الماء الصالح للشرب الذي يستحيل أن ينقطع أما الإنارة فألمانيا قد احتفلت بذكرى مرور 35 سنة عن عدم انقطاع التيار الكهربائي عن أي بيت أو مصنع أو شارع أو عمود كهرباء ولو لمدة دقيقة واحدة … اللهم لا حسد
الأن سأخرج خارج الحي الجامعي وسأتحدث عن ألمانيا من خلال ما رأيت وألماينا مكان للجد والاجتهاد والعمل الدؤوب والإنضباط ودقة المواعيد…. هي ” أرض الأفكار النيرة “، كما أطلق عليها رئيسها الأسبق هورست كوللر ، لا شك في أن السمعة السائدة عن الألمان حول العالم هي حبهم للتنظيم والتزامهم بالمواعيد ويعتبرون أن الالتزام بالمواعيد والدقة تجعل الحياة أسهل… ألمانيا تمتلك أسرع القطارات في العالم ، والمسماة “آي سي إي “، والتي تعني (عابر المدن السريع) ، ناهيك عن قطار “تي جي في” فائق السرعة…….
ألمانيا ليست بلجيكا من حيث سهولة التواصل ، ببلجيكا الأمازيغية قد تعنيك عن جميع اللغات أما في ألمانيا فغير اللغة الألمانية أو اللغة الإنجليزية ستشعر بمت شعرت به في آخر يوم كنت سأودع فيها ألمانيا بعد حوالي أسبوع من مقامي هناك ، حيث كنت قد اتفقت مع صديقي أحمد البوجوفي أن نعود معا إلى بلجيكا وكنا قد اتفقنا على جميع الترتيبات أهمها مكان وزمان اللقاء كون أنني بمجرد أن أنزل إليه من البناية أو العمارة الذي كنت أقيم فيها ستنقطع بيني وبينه جميع الاتصالات على اعتبار أنني كنت أتواصل معه عبر الواتساب برقم هاتفي الذي أستعمله هنا بالمغرب والذي تنقطع خدمته عند عدم وجود WiFi ، ما كنت أخشاه هو الذي حصل نزلت إليه لكنني لم أنتبه لمكان وجوده فابتعدت عنه لمسافات ، بقي هو ينتظر وبقيت أنا أبحث حاولت أن أطلب من أحدهم هاتفه كي أتصل بصديقي لكن كيف ذلك والجميع هنا يتحدث اللغة الألمانية وحتى إن وجدت من يتحدث اللغة الإنجليزية فإنني لا أتقنها ، مر بجانبي ثلاث فتيات إحداهن ذات بشرة سمراء فقلت سأسألها ربما اللغة الفرنسية قد تنقذني أخيرا لكن المفاجأة أن صديقتها الشقراء الجميلة بادرتتي قائلة ” بتتكلم عربي ” هنا أحسست وكأنني كنت تائها في صحراء فوجدت أخيرا من ينقذني أعطتني هاتفها النقال اتصلت بصديقي شرحت له مكان وجودي حضر على الفور شكرت منقذتي ودعتها قبل أن تسألني ” من وين حضرتك ” قلت من المغرب قالت ” اه مراكش ” قلت نعم وأنت قالت أنا ألمانية من أصول لبنانية….. يتبع
فارس الرواح يكتب .. أوروبا التي رأيت
فارس الرواح يكتب … أوروبا التي رأيت ( الجزء الثاني)