الحلقة الثانية
لقاء بوضياف وبلمهدي
وذات يوم من خريف سنة 1954 ، وبينما كنت أزاول عملي ، جاءني أحد أصدقائي من أبناء المنطقة ويدعى محمد البركاني ، وأخبرني أن شخصين يظهر أنهما جزائريان قطعا نهر ملوية يسألان عني وأنه تركهما في منزل السي قدور . وتبادر إلى ذهني أنهما من جملة الاجئين الجزائريين الذين كانوا ينزحون الى المنطقة فرارا من بطش السلطات الفرنسية ، فيجدون في الناظور وضواحيه الامان وحسن الضيافة . وبعد التحاقي بمنزل السي قدور وجدت رجلين يغطان في نوم عميق بسبب مالقياه من تعب وعناء أثناء قطعهما مئات الكيلومترات على مراحل من الجزائر الى المغرب وانتظرت حتى استيقظا من نومهما فحييتهما وقدم لنا صاحب المنزل الطعام والشاي . وفي أثناء ذلك كنت امعن النظر في ملامحهما لعلي أكون أعرفهما لكني تأكدت أنني لم يسبق لي أن رأيتمها من قبل . كما لاحظت أنهما يريدان فقط أن يفضيا بسر ما فطلبت من صاحب المنزل أن يتركنا وحدنا وان يغلق باب الغرفة .
ثم بعد ذلك سألتهما من أين جاءا والى أين يقصدان وسبب الزيارة ، فأكدا لي أنهما جزائريان وأنهما يعرفان اسم وعنوان متجري وبعض زبنائي من الجزائر وأنهما توصلا بنسخ من جريدتي ” النهار ” و” الأمة ” اللتين كانتا تصدران بتطوان والثانية كانت بلسان حزب الإصلاح الوطني ، وكنت أوزع نسخا منهما على بعض الجزائريين الموثوق بهم .
كما أكدا لي أنهما مبعوثان من طرف قادة الثورة الجزائرية . الأول يسمى ” العربي بلمهدي ” والثاني يسمى ” محمد بوضياف ” وطلبا مني القيام بدراسة ميدانية لسواحل رأس الماء لأختيار المكان المناسب على الشاطئ الذي قد ترسو فيه باخرة ، وأنه يجب علي أن أتحمل مسؤولية جسيمة في هذا العمل بحكم انتمائي للحركة الوطنية المغربية ، ثم سألاني عن الطريق الآمن الذي يوصلهما الى مدينة الناظور لأنهما مرتبطان بموعد مع شخص سينتظرهما بمحطة الحافلات وأنهما سيتعرفان عليه من خلال علامات خاصة
وفعلا تدبرت لهما دابتين لامتطائهما ونصحتهما بالمشي بمحاذاة الساحل بعيدا عن نقط التفتيش والمراقبة التي كانت تضعها السلطات الأسبانية ، واتفقت معهما على اللقاء في فندق عبد القادر وبوعنان بالناظور ، وبالفعل التقينا صباح اليوم التالي بالناظور ، ووجدت أنهما يعتزمان التوجه الى مدينة تطوان وأنهما يرغبان في الحصول على تسهيلات ومساعدات .
لذلك اتصلت هاتفيا بالأستاذ عبد الخالق الطريس وعرضت عليه الأمر فاتصل بالمقيم العام الاسباني بتطوان وحصل لهما على رخصة اللجوء باعتبارهما مواطنين مغربيين قدما من الجنوب واتفقا على أن يتوجه السيد محمد بوضياف الى المشرق العربي وأنه كلف المسمى شبان عمرو وهو الآخر لاجئ جزائري أن ينسق معي في موضوع بواخر سترسو بالمنطقة وستكون محملة بالأسلحة وعلي أن أتدبر امر إنزالها بواسطة جزائريين يتم استقدامهم لهذا الغرض . واشترطت عليه أن يخبرني بموعد قدوم أول باخرة مسبقا ب 15 يوما على الأقل .
وقد أخبرني يوضياف أن موضوع الباخرة سيظل سرا وطي الكتمان ولايتعدى شخصين اثنين هما أنا وهو ، وعلى هذا افترقنا على أساس أن يتصل بي السيد شبان عمرو الملقب ببومدين الطويل المقيم بالناظور كلما دعت الضرورة لذلك