بقلم: علال زوهري
لا تزال قضية الدكتور الفايد الأخصائي في التغذية مثيرة لزوبعة على مواقع التواصل الاجتماعي، فبعد أن قال الدكتور بأنه “لا يوجد لدينا علماء بالمغرب” ثارت ضده مجموعة من الأصوات التي أنكرت هذا التصريح الذي اعتبرته غير لائق في حق العلماء خاصة علماء الشريعة المتخصصين في علوم الدين، وتطور الأمر كثيرا إلى أن وصل لدرجة اتهام الدكتور بتطاوله على الدين وإنكار أمور منه معلومة بالضرورة تخص جانب العقيدة كواقعة الإسراء والمعراج مثلا والتي وصف الفايد طريقة عرضها والحوادث المتعلقة بها المذكورة في كتب التراث مجرد خزعبلات لا أساس لها من الصحة، ثم قضية دخول غير المسلم إلى الجنة حيث سبق للدكتور أن قال لطلبته خلال محاضرة ألقاها قبل ثمان سنوات، بعد أن سأله طالب عن مصير غير المسلمين الأخروي، بأن العالم المخترع توماس أديسون مثلا سوف يدخل الجنة لأن الله ليس ظالما ولن يعذب إنسانا خدم البشرية جمعاء وأعطى مثالا على ذلك بقوله أن مكة المكرمة مضاءة بفضل اكتشاف توماس أديسون مضيفا في إحدى تصريحاته بأن المسلمين أنفسهم يستفيدون من اختراعات العلماء غير المسلمين في الصناعة والتكنولوجيا والتغذية والطب وبأن العلم الحقيقي هو علم التجارب والمختبرات وليس فقط علم الكتب والكلام.
هذه التصريحات جعلت الكثيرين من الشيوخ والدعاة يردون على الدكتور الفايد بقولهم إن علوم الشريعة أهم من علوم الحياة، أو ما يسمى بالعلوم الكونية، لأن الدين هو ما يحكم مصير الإنسان أكثر من الاكتشافات العلمية التي تتعلق بالحياة الدنيا فقط، كما أكدوا على أن علوم الشريعة هي الأصل مبرزين أن الإسلام لم يخلو قط من العلماء الأجلاء الذين أفنوا أعمارهم في الاجتهاد وخدمة الدين وتأصيل علومه المختلفة من قرآن وسنة وحديث وفقه وغيرها من العلوم التي ألفت فيها مجلدات وكتب ومراجع عديدة تجعل من غير المعقول القول بعدم وجود علماء دين، ليرد الفايد على هذا الكلام بقوله أن العلم ليس مجرد فقه وتدوين وإنما تجديد وإضافة واكتشاف لأمور غابت عن السابقين الذين كانوا علماء في عصرهم ولكن تطور العلوم وتراكمها تجعل اللاحقين أكثر إدراكا وفهما لأمور الدنيا الراهنة وأكثر قدرة على إيجاد حلول واقعية وملائمة بدل البحث عنها في أقوال من عاش في قرون سابقة.
كما دعى الفايد إلى أن يدرس المهندسون والأطباء والمتخصصون في العلوم الكونية الحديثة علوم الشريعة أيضا بل إلى أن يقوموا هم بإمامة الناس في الصلاة وإلقاء خطب الجمعة وإعطاء الدروس والمواعظ الدينية لأن لديهم القدرة على التحليل ودراسة الواقع بشكل أفضل، كما أوضح بأن العلماء الحقيقيين والذين عرفهم التاريخ هم الذين كانوا يجمعون بين العلوم الشرعية والعلوم الكونية لأن هذا فيه خدمة أكبر للدين وفائدة عظيمة لتحسين حياة الناس، رد الفايد لم يخلو من الانفعال حيث عبر عن استغرابه من كون بعض من ردوا عليه ويعتبرون أنفسهم علماء غير متخصصين في العلوم الشرعية ولا يملكون دراسة أكاديمية فيها إذ منهم من لديه إجازة في اللغة الفرنسية ومن درس الفندقة وقال في نفس السياق بأنه قد أصبح كل من يرتدي “قفطانا” ويطلق لحيته عالما في الشريعة.
من جهتها، أصدرت رابطة علماء المغرب العربي بيانا للرد على الدكتور الفايد في موضوع دخول غير المسلم إلى الجنة، وأتت في بيانها بحجج وبنصوص شرعية تدل على عدم صحة هذا الادعاء مؤكدة على أن النفوس المسلمة فقط هي من ستدخل الجنة استنادا لصريح القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ودعت الرابطة في البيان نفسه الدكتور إلى تبين الأمور الدينية وخاصة ما يتعلق منها بالعقيدة كما دعته إلى مراجعة مواقفه وإلى التوبة منها، هذا البيان جعل الفايد يطلق ردا يقول فيه بأنه يستغرب من كون العلماء لا يتكلمون ولا يصدرون بيانات حول المشاكل الحقيقية في المجتمع في حين أنهم ظهروا مباشرة بعد أن صرح بعدم وجود علماء، وقال بأن ما جاء في بيان الرابطة لا يمت للحقيقة بصلة لأنه يتعلق بمحاضرة ألقاها على الطلبة منذ ثمان سنوات مستغربا من تدخل الرابطة في مضمون محاضرة داخلية بين أستاذ وطلبته ومن عدم قيام الرابطة بالاتصال به مباشرة من أجل الاستوضاح والمناقشة، وأكد الفايد على أن معظم أقواله يتم تحويرها وإخراجها من سياقها لذلك يساء فهمها.
ولا يفوّت الدكتور الفايد فرصة للتذكير بأنه دكتور دولة متخصص في علم التغذية وبأنه حامل لكتاب الله ودارس للشريعة، ولهذا لا يمكن المزايدة عليه في الأمور الدينية لأن مرجعه الأسمى هو القرآن الكريم، لتبقى إلى غاية الآن هذه الزوبعة الفكرية قائمة بين مؤيد لما قاله الدكتور وبين معارض له وبين من يدعو لاحترام التخصص وبين من يرى أن الدين ليس تخصصا بل هو علم مُتاحٌ للجميع، وبين من يطالب بإجراء مناظرة علمية تجمع الفايد ومتخصصين في الشريعة وبين من يطالب الدكتور بعدم التحدث في المسائل الدينية.