كتبه الدكتور محمادي لـغـزاوي
اوردت صفحة زايو سيتي أمس خبرا مفاده ان مواطنا من مدينة زايو تعرض للدغة من طرف أفعى سامة استدعت نقله فورًا نحو مستشفى مدينة بركان. مع اقتراب كل فصل صيف وارتفاع درجات الحرارة في سائر ربوع المغرب يزداد القلق والهلع لدى الأسر المغربية خوفا من تعرض أفرادها للسعات العقارب والأفاعي السامة. وما يزيد قلق العديد من الأسر الفقيرة في القرى بالخصوص هو عدم التمكن من الوصول إلى مراكز الاستشفاء لتلقي العلاج لغياب وسائل النقل. غير ان البدو والحضر في هذا سيان لسبب بسيط هو انك، يا عزيزي المواطن، ولو وصلت بسرعة فائقة الى المستشفى فلن تجد من يساعدك ولو بجرعة تهدىء الامك، بل قد تفاجىء بتواجد الطبيب في مدينة أخرى!
هذه الحادثة الأليمة لهذا المواطن المسكين رجعت بي إلى أيام الطفولة في بادية حاسي بركان القريبة من زايو. هذه المنطقة التي تشبه كثيرا مدينة زايو في تضاريسها ومناخها كانت تعج بكل أنواع العقارب والافاعي السامة في أيام الصيف الحارة. هذا الأمر في حد ذاته جد طبيعي نظرًا لأهمية هذه الزواحف في خلق توازن بيئي وتنوع بيولوجي. المشكلة تكمن في تدبير المجال الطبي والتعاطي مع هذه اللدغات واللسعات التي تكون أحيانًا مميتة. لقد قطعنا تقريبًا الربع الأول من القرن الواحد والعشرين ولا زلنا نرى العجز التام للمؤسسة الطبية في المغرب لحماية المواطن من هذه الآفة. أكيد ان كلا منا سمع أو عايش لحظة تعرض فيها طفلا او أي فرد من محيطه للسعة سامة وعاين حجم المعاناة مع أشباه المستشفيات وغياب الأطباء دع عنك الأدوية والأمصال. هذا التخبط والإهمال كان اصلا سائدا وزاد تكريسه قرار غير مفهوم اتخذ في الماضي يتعلق بالتوقف عن إنتاج الأمصال المضادة لسموم العقارب والأفاعي. ما يدفع بالبعض إلى الولوج إِلى طرق شعبية و تقليدية لمعالجة هذه الحالات من قبيل “التشراط” و “الامتصاص”، وهو إحداث جروح وشقوق في مكان اللسعة من أجل امتصاص السم.
حسب تحقيق أنجزه برنامج ثروات الأمم الذي تديره مؤسسة طومسون رويترز، فان المغرب قد قرر التوقف عن إنتاج الأمصال واللقاحات في سنة 2003 وإغلاق وحدة الإنتاج التابعة لمعهد باستور. وتخلى عن استعمال الأمصال المضادة لسموم العقارب واستيراد باقي حاجياته من الخارج. تم هذا فيما نزيف ضحايا اللسعات السامة لا زال مستمرًا. المثير في الأمر هو أن هذا التحقيق أثبت أن تكاليف الاستيراد أعلى بكثير مقارنة مع الوضع السابق حيث كان المغرب رائدا في الإنتاج في هذا المجال بل أصبح مصدرا للقاحات. وحسب مختصين فان الاستيراد فتح بابا للفساد المالي و صار مجالا لعقد صفقات مشبوهة يكون الطفل البريء والمواطن المغبون هو من يؤدي الثمن.
ومن المعطيات الصادمة أيضاً أن وزارة الصحة المغربية أكدت في سنة 2018 أن العلاج بالمصل المضاد للسعات العقارب تم حذفه من بروتوكول العلاج، وذلك لعدم فاعليته حسب قول الوزارة. وصرح وزير الصحة المغربي آنذاك في حكومة العثماني الأولى، انس الدكالي، في يوليوز 2019 “بعدم توفر المغرب على مصل خاص بعلاج لسعات العقارب قائلا إن العلماء لم يتوصلوا بعد إلى هذا المصل”. لا اعرف عن أي علماء يتحدث السيد الوزير؟! ما نعرفه ويمكن لكل مواطن ان يعرفه وما لا يدع مجالا للشك هو ان دولا كثيرة مثل أمريكا و أستراليا والهند والتي تعرف انتشارا واسعًا لأخطر الافاعي والعقارب تتوفر على أمصال لمحاربة لدغات هذه الزواحف السامة. بل ان علماء هذه الدول في عمل مستمر دؤوب من أجل الوصول الى الأمثل و الأحسن من الأدوية و اللقاحات ضد سموم العقارب و الثعابين.
غير أن هذا الوضع المعقد على المستوى الوطني لا يجب ان يكون ذريعة للمسؤولين محليا في مدينة زايو مثلا لتفسير هذا التقصير والتهرب من المسؤولية . فلماذا لا تكون زايو، برجالاتها وكفاءاتها، مرجعا في هذا المجال ومثالا يقتدى به في خدمة المواطن على هذا المستوى. فمندوب وزارة الصحة الاقليمي، مدراء المستشفيات، أطقم المستشفيات من اطباء و ممرضين، رؤساء المجالس ومنتخبون و و و… كل يجب ان يتحمل مسؤوليته من موقعه لإيجاد حل لهذه الكارثة.
ليس المغرب هو الوحيد الذي يواجه هذه الظاهرة. في بعض الولايات في أمريكا والتي تعيش فيها أخطر الافاعي على وجه الأرض يُتّبع بروتوكولا خاصا للعلاج. بإمكان هذه الافاعي قتل إنسان بالغ خلال 20 دقيقة باستهداف الدورة الدموية وتدمير الأنسجة والأعضاء الداخلية، مما يؤدي الى الصعوبة في التنفس ويتبعه الشلل المفضي إلى الوفاة. لكن هذا الوضع زاد مسؤوليها اصرارا على توفير علاج موزع على مستشفيات ومستوصفات يُراعى فيها عاملي الزمن والمسافة بشكل دقيق. فلما يقدم الخبير والطبيب حسابا دقيقا مفاده أن لدغة أفعى لن تمهل الضحية أكثر من 20 دقيقة، فعلى الجهات المسؤولة ان توفر الأدوية وأماكن للعلاج يمكن وصولها في الوقت والمسافة الكافيين للسيطرة على الامر وإنقاذ الارواح من الهلاك. وفي تقديرنا المتواضع أن أي طبيب مغربي تلقى تكوينا أساسيا في السنوات السبع الأولى يعرف هذا الامر بالتفصيل. للأسف الشديد، الواقع في أوطاننا يدعو إِلى الحسرة. والمضحك في تصريح الوزير المذكور سالفا انه دعى إلى توعية المواطن ” لكي يتعرف على المسموم وغير المسموم من الافاعي”. هل تمكن هذا المواطن من الولوج الى المدرسة و هل حصل على ضروريات الحياة لكي يصبح خبيرا في شؤون الافاعي؟
أسوق هنا حادثة تعرضت لها شخصيا لها علاقة بالموضوع. أثناء زيارتي لدولة ماليزيا قبل حوالي عشر سنوات تعرضت للدغة قنديل البحر السام بل القاتل. من الألطاف الإلهية انني استهدفت في الساق وليس في الأطراف العلوية الحيوية. في الوهلة الأولى لم أستوعب الامر لأنني تعرضت لهذا على شاطىء البحر ولم أتمكن من رؤية هذا الكائن الغريب في الماء. كما أنني لم أكن أعرف اي شيء عن قناديل البحر من ذي قبل أو الخطورة التي تشكلها على حياة الانسان. كل ما أحسست به في اللحظات الأولى هو الم رهيب ولم اعد أقوى حتى على التنفس بشكل طبيعي. و من سوء حظي أن مكان الحادث كان في إحدى الجزر (لانكاوي) وليس في العاصمة كوالالمبور التي غادرتها قبل أيام. لكن رغم هذا فقد أدهشتني السرعة والفعالية التي أظهر عليها كل من ساعدني من مكان الحادث أمام الفندق الى المستشفى. فبمجرد ان عاينني طبيب مقيم في الوحدة الفندقية كلف سائق طاكسي ومستخدم في الفندق لمرافقتي الى المستشفى بدلا من انتظار سيارة الاسعاف لربح الوقت. كانت الرحلة ستكلف حوالي 45 دقيقة. وفي الطريق اهتدى السائق ومرافقه إِلى ضرورة المرور بمستوصف صغير من أجل إسعافات اولية والا فمصيري سيكون الهلاك. هكذا إذن مررنا بهذا المستوصف الصغير والمنظم بشكل كبير وتم حقني بمصل واخضاعي للمراقبة بعض الوقت وبعد ذلك استأنفتا الرحلة الى المستشفى الرئيسي حيث أتم الاطباء ما بدأه زملاؤهم من قبل. بعد هذا أخبرني الطاقم الطبي أن عدم التدخل الطبي في نصف الساعة الأولى بعد اللسع في هذه الحالات يؤدي الى الموت المحقق.
مغزى هذه الحادثة انه شتانا بين هذا الواقع وذاك. لم يكن بوسعي، كضحية، فعل أي شيء لجهلي بطبيعة المكان وخطورة المخلوقات التي تعيش هناك. أكيد أن الآجال بيد الله تعالى أولا وأخيرً غير ان الفرق يكمن في تعامل مؤسسات كل بلد على حدة مع مواطنيها. نتمنى اذن أن تعود مؤسسات مدينتنا و وطننا الى رشدها و تنظر بعين الرحمة الى قيمة الانسان وتستحضر كرامته.
نعم ف الحي القديم بزايو ايضا يعاني من مشكل العقارب والافاعي بصفة دورية بسبب منطقة (القشلة) المهجورة والتي تعد بيئة ملائمة لهذا النوع من الحيونات
أخطر انواع الأفاعي والعقارب والعفاريت و التماسيح… هم ممن يسير البلد…