الأميرة المتشبثة بأصولها
ازدادت الأميرة لالة سلمى بمدينة فاس في 10 مايو 1978، فقدت أمها وعمرها لم يتجاوز بعد ربيعها الثالث، فتربت في أحضان جدتها بحي شعبي بالرباط. يمتهن والدها التدريس، ولها شقيقة متزوجة تمتهن الطب و 3 أخوات من أبيها. تابعت دراستها الابتدائية بالرباط بمدرسة حرة ثم التحقت بثانوية الحسن الثاني ومولاي يوسف، قبل ولوجها المدرسة الوطنية العليا للإعلاميات وبرمجة المنظومات بالرباط، حصلت على دبلوم مهندسة دولة في سنة 2000 وكانت الأولى في دفعتها، ثم اشتغلت بمجموعة “أونا”. وقبل استكمال دراستها العليا، شاء القدر أن تقترب من الملك، وتصبح السيدة الأولى بالمملكة.
ورغم اضطلاعها بموقع السيدة الأولى، لم تغير من عاداتها المرتبطة بأصولها الشعبية. ظلت تزور جدتها وأختها رفقة ابنها بصفة منتظمة، بمقر سكناهما دون اعتماد قواعد البروتوكول الرسمي؛ تذهب لزيارة جدتها، التي ربتها، بحي القبيبات بالرباط، على متن سيارتها رفقة ولي العهد بدون بروتوكول ودون أي إجراءات أمنية مشددة، ما عدا مرافقة بعض الحراس لها دون إثارة الانتباه.
وحسب شهود عيان دأبت الأميرة لالة سلمى على ارتداء الجلباب المغربي وأحيانا سروال الجينز، عندما تقوم بزيارة جدتها أو شقيقتها الطبيبة، وتسلم وتبادل تحية كل من تصادفهم من الجيران كما كانت تفعل قبل الزواج بالملك، بل تسمح لهم بتقبيل ولي العهد كما تفعل كل المغربيات.
كما أنها فضلت عدم الإقامة بالقصر الملكي والاستقرار في إقامة ملكية بدار السلام، لتوفير أجواء الحياة العائلية الحميمية. وتستحسن قضاء أكبر جزء من وقتها بإقامتها للاعتناء ببيتها التي سهرت على تأثيته بذوقها الرفيع، والسهر على راحة ابنها.
وتتحدث ببساطة مؤثرة عما يؤلمها ويحزنها ككل النساء، تستعمل اللغة الدارجة للتواصل العادي، واللغة الفرنسية إن دعت الضرورة لذلك، علما أنها تتقن العربية والفرنسية والإنجليزية وتعلمت مؤخرا اللغة الإسبانية. وأكد أكثر من مصدر أن الأميرة لالة سلمى لا تستثني نفسها من النساء العاديات، رغم التحاقها بالعائلة الملكية ورغم موقع السيدة الأولى بالمملكة الذي تحتله الآن. إنها تستقبل ضيوفها بتواضع وابتسامة مشرقة، وتفضل قضاء أكبر جزء من وقتها بإقامتها للاعتناء ببيتها وابنها، ومن هناك تتابع نشاط جمعيتها يوميا.
هندام الأميرة
في كل مرة تظهر فيها الأميرة لالة سلمى، يلاحظ المشاهدون أناقتها ومتابعتها لأحدث صيحات الموضة. ويبدو أن الأميرة تفضل تصميمات “شانيل” الفرنسية بخصوص اللباس اليومي، أما بخصوص لباس السهرات والمناسبات، تتجه الأميرة نحو فساتين “فالانتينة: و “كريستان لاكروى” لكنها مع ذلك تظل من المعجبات بملابس المصمم “جون لوي شيرير”. وقيما يتعلق باللباس التقليدي، فالأميرة للا سلمى لا تتخلف عن عادات دار المخزن (التكشيطة بالسفيفة) المميزة بطولها، باعتبار أن عرف القصر الملكي يقر بأن عليها مسك “الجلايل” عندما تتحرك أو تمشي، وهي مرتدية “اللباس التقليدي”، وطوله يحول دون ظهور الساق رغم الإمساك بطرف اللباس.
وكما للملك نمطه وطريقته في اختيار هندامه، فللأميرة للا سلمى نمطها وطريقتها، في هذا المجال الذي أبهرت فيه المغربيات بتناسب ما ترتديه من ملابس مع شخصيتها، فلا هي قلدت ولا هي اكتفت باعتماد آخر “تقليعة” كما يقال. وإنما انتهجت أسلوبا خاصا بها، إنه أسلوب “الأميرة للا سلمى المميز “(“لوك للا سلمى” كما يحلو للشابات المغربيات قوله). إن مظهر الأميرة يدل على شخصية قوية، تجسد عبر حركاتها وهندامها، حسب بعض المحللين، المغرب العصري الحداثي المرتكز على خلفية الأصالة والهوية المغربية.
ولاحظ الكثيرون أن كل شيء تغير في الأميرة للا سلمى، الهندام وتسريحة الشعر والقدرة على التكيف السريع مع الأوضاع، لكن الثابت هو حرصها على تقوية روابطها بأصولها الشعبية، وهذا ما استحسنه المغاربة في الأميرة التي أضحت شخصية عمومية بامتياز.
وتبقى الأميرة للا سلمى ككل المغربيات، تهتم بمظهرها، وحسب العارفات بهذه الأمور، فإن “لوك” الأميرة تغير كثيرا على ما كان عليه في ظهورها الأول، وقد تابعت المغربيات (لا سيما الشابات منهن) هذا التحول باعتبارهن يرون في السيدة الأولى بالمملكة مثلهن الأعلى، وقد همت تلك التغييرات تسريحة الشعر والماكياج، الذي لا يكاد يبين، لكنه يتناسب مع شخصيتها.
والآن حسب العارفات بالأمور، أصبح للأميرة “لوكها” ونمطها الخاص، وهذا بشهادة الأجنبيات المتخصصات في المجال أنفسهن، اللواتي تؤكدن بالغرب وجود نمط أو “لوك الأميرة للا سلمى” في المظهر والأناقة.
ويقرر أحد المقربين أن الأميرة للا سلمى دأبت على اقتناء ملابسها من الدار الفرنسية “شانيل”، علما أن الأخيرة مكلفة بلباس ومظهر جملة من العائلات الملكية عبر العالم.ويبدو أن هذه الأميرة تعشق اللون الأزرق ومشتقاته حيث يجلبها، ويليه اللون الوردي بجميع فروعه، لكن أكثر ما يجذبها في الألوان الانسجام والتناسق. وفي هذا الصدد أكد أحد المقربين أن الأميرة لالة سلمى لا تسمح لزوجها الملك محمد السادس الخلط بين الألوان، مهما كان الفرق دقيقا بينها. أما أفضل الأحجار الكريمة عند الأميرة هي الياقوت الأزرق والزمرد والمرجان، وعموما يلفتها الجمال وتجذبها الأناقة بذوق مميز، قد يبدو غريبا أحيانا.
لالة سلمى سفيرة الحداثة المغربية
تأكد أن الأميرة لالة سلمى تقوم بدور دبلوماسي من نوع خاص، وهو سفيرة الحداثة المغربية، مبرزة صورة مغرب المستقبل. وقبل الاضطلاع بهذا الدور، تابعت الأميرة لالة سلمى تدريبا خاصا بالديار الألمانية، بعد ميلاد ولي العهد الأمير مولاي الحسن، كما شرعت في تعلم اللغة الإسبانية إضافة لإتقانها لغة موليير ولغة شكسبير ولغة الضاد.
ويبدو أن أغلب مهامها بالخارج أضحت في السنين الأخيرة ذات طابع ثقافي – حضاري، وتتجه نحو تقديم صورة المغرب العصري، مغرب الحداثة. وقد حرص الملك محمد السادس شخصيا على تكليف زوجته، الأميرة لالة سلمى بهذه المهمة، ألا وهي القيام بدور سفيرة الحداثة المغربية بالخارج. وفي هذا الإطار يمكن فهم الطريقة المدروسة لهندام الأميرة، وحركاتها، ومظهرها في مناسبات ظهورها، سواء بالمغرب أو خارجه، لاسيما في غياب زوجها.
ومن المؤشرات الدالة على هذا المنحى، ظهور الأميرة لالة سلمى بـ “التكشيطة” التقليدية لاستقبال رئيس جمهورية الصين الشعبية وعقيلته. إذ كانت تلك اللبسة بألوان العلم الوطني الصيني (أحمر وأصفر). ونفس الشيء لاحظه المشاهدون عندما سافرت الأميرة إلى تايلاند لتمثيل زوجها، الملك محمد السادس في الذكرى 60 لتنصيب العاهل التايلاندي، إذ ظهرت بفستان أصفر فاتح، علما أنه اللون الذي يرمز إلى الملكية بذلك البلد. كما أن رئاسة سموها احتفالات يوم المغرب بالديار اليابانية يدخل في هذا الإطار بامتياز، إذ استهدف دفع اليابانيين لاكتشاف الثقافة والعادات المغربية في حيز فضائي وزمني محدود. وقد فاز المغرب بجائزة “حكمة الطبيعة” الميدالية الفضية
الأميرة والعمل
تسعى الأميرة لالة سلمى دائما إلى تحقيق النجاح في كل ما تقوم به. وظلت علاقتها بالعمل مطبوعة بالنظرة العلمية إلى الأمور. لها قدرة خاصة لتحفيز معاونيها، وإشعارهم بالاطمئنان في جميع الظروف. وبشهادة الجميع تعتبر السيدة الأولى مديرة أعمال ممتازة، تتريث في اتخاذ قراراتها، وإن فعلت فلن تتردد أبدا في الذهاب حتى النهاية آنذاك تحب جني أكبر النتائج الإيجابية لبلوغ الهدف المتوخى كاملا غير منقوص، وفي كل مرة تسعى إلى الاقتراب من الكمال. تفضل التقدم ببطء لكن على أرضية صلبة أعدت مسبقا.
وحسب أحد معاونيها، إن الأميرة لالة سلمى نشيطة في العمل، حريصة على تتبع التطورات لحظة بلحظة حتى وهي في إقامتها، ولا تخشى تحمل المسؤوليات. تفتخر بالعمل الذي تؤديه لأنها تحاول دائما تأديته على أكمل وجه. واعتبارا لتدبيرها العقلاني وتخطيطها المدروس ظل النجاح يسعى إليها، وكلما نجحت في خطوة سعت للخطوة الموالية، تحبذ العمل الذي تظهر نتائجه على أرض الواقع بسرعة، ومما يساعدها على ذلك أنها مخططة بارعة في مجال برمجة المهام وتسلسلها، مع ضمان للعاملين معها هوامش للمبادرة والاجتهاد لتحقيق المزيد من النتائج الإيجابية.
إنها واقعية في تعاملها مع الأشياء، ولا تنفعل بسهولة أمام المصاعب. لها طريقة خاصة في تجزيئها للتغلب عليها، هذا هو منهجها في التعامل مع القضايا. ورغم شخصيتها العقلانية، فإن حب أسرتها يستحوذ على مكانة كبيرة في حياتها اليومية، حتى العملية منها.
بكلمة، إن الأميرة لالة سلمى جدية في إدارتها للعمل، تعتمد على المنطق والوقائع في تفهمها للأمور، وحديثها في مجال العمل بسيط واضح دقيق وغير معقد. وتفضل أسلوب “خير الكلام ما قل ودل”، واقعيتها تساعدها على اعتماد أقصر السبل وأجداها لبلوغ المراد. وإن أعطت وعدا لا تخلفه، فالوعد عندها يكاد يكون مقدسا. وبخصوص اتخاذ القرار، يبدو أن الأميرة لالة سلمى ميالة إلى تبني أراء ثابتة اعتمادا على خبرات سابقة موثوق بها. تواجه الصعوبات بشكل هادئ ورزين، بهدف الحصول على نتائج فعالة ومجدية. فإذا واجهتها مشكلة في مجال العمل، حشذت فكرها لإيجاد الحل الملائم دون أن يظهر عليها ما يشير إلى تنازع الأفكار أو المشاعر، وتفضل التروي قبل اتخاذ المواقف النهائية.
تتقن فن الاستماع أولا قبل الكلام. تصغي باهتمام إلى من يحدثها وتختصر في الرد، وقد تمر فترات لا تلفظ خلالها إلا بكلمتي نعم أو لا، ولكن عندما ترد تتحدث باقتضاب مصيبة الهدف مباشرة. وحسب جملة من المحللين النفسانيين، إن هذه الصفة رمز للصمود والقدرة على الوقوف في وجه العقبات والصعوبات. كما أكد أحد المعاونين للأميرة لالة سلمى في جمعيتها، تسكت أحيانا عن بعض الأخطاء وتغمض عينها عن بعض التقصير، مدركة أن الإنسان معرض لإرتكاب بعض الهفوات، وقد تتظاهر أحيانا بعدم معرفة الأمر وجهلها له، لكنها تنتظر من المقصر أن يدرك ما فاته، فالأميرة تغفر بسهولة إذا عاينت بذل الجهد لتجاوز الخطأ أو التقصير.
يجمع كل المقربين من الأميرة أنها ذكية فطنة، وإن تحملت مسؤولية قامت بواجبها على أتم وجه، علما أنها لا تستحسن الانفراد بالرأي. وبهذا الخصوص أكد أحد المقربين أن كل أعمال الأميرة وأقوالها تسودها روح عملية ممتازة، ولا تتخلى قيد أنملة عن التفاؤل والطموح.
ويمكن الاعتماد عليها في مجال المسؤوليات والعمل، كما يعتمد على الساعة الدقيقة أو الآلة الحاسبة، أليست الأميرة لالة سلمى مهندسة حاسوب ومعلوميات وتحليل البرامج؟
مهنة الأميرة، السيدة الأولى
منذ يوم الخميس 21 مارس 2002 بدأت مسيرة إحدى بنات الشعب، لتصبح أميرة ثم لتحمل لقب السيدة الأولى بالمملكة. وقد اعتبرها الكثيرون خطوة فعلية عملاقة على درب المرور إلى مغرب الغد، مغرب الحداثة، إنه مرور أراد الملك محمد السادس انجازه رفقة الفتاة (24 سنة) المنحدرة من فئة متوسطة والتي تقطن في حي شعبي، لكنها سلبت قلبه واستحوذت عليه.
ويبدو أن قوة هذا الحب مكنت الملك من القفز على جملة من الطابوهات، الشيء الذي، بشهادة الجميع، فتح جملة من الأبواب لتحديث البلاد من القاعدة إلى القمة، وقد عملت الأميرة لالة سلمى على ترسيخ هذا المنحى بعد ميلاد ولي العهد.
لقد كان إعلان زواج الملك وكشف رفيقة حياته إعلانا عن تقوية موقع المرأة المغربية في مختلف المجالات، لاسيما الركح السياسي.
حصلت المواطنة سلمى بناني، على صفة أميرة يوم 12 أبريل 2002، وإذا كانت هذه الصفة أميرة مخصصة لذرية الملك ومن يجري الدم الملكي في عروقهن، فإن لالة سلمى، بانتمائها عبر الزواج بالملك إلى الأسرة الملكية، امتلكت صفة “الأميرة”، وهذا ما حصل بالنسبة للأميرة لمياء الصلح (من أصل لبناني) أرملة شقيق الملك الحسن الثاني، الأمير مولاي عبد الله عم الملك محمد السادس، ووالد الأمير مولاي هشام.
فقد دخلت الأميرة لالة سلمى إلى العائلة الملكية من أوسع الأبواب، أي عبر قلب الملك، فأصبحت أميرة في مستوى أميرات البلاد والسيدة الأولى في المملكة.
حسم الملك محمد السادس هذا الأمر عندما صرح لمجلة “باري ماتش” سنة 2001 قائلا: “لا وجود لملكة عند المسلمين، وبالتالي فإن هذه القضية ليست مطروحة عندنا بالمغرب”. وفعلا لم يسبق المغرب عبر تاريخه أن عرف امرأة حملت صفة ملكة منذ دخوله الإسلام.
وحسب أغلب المحللين، إن صفتي أميرة والسيدة الأولى بالمملكة، ساهمتا بشكل كبير في إصباغ الطابع الإنساني، وصفة القرب بخصوص شخص الملك بكيفية لم يسبق لها مثيل بالمغرب. وزاد من ترسيخ هذا المنحى كون المغاربة اقتنعوا، قناعة راسخة، أن الملك محمد السادس تزوج عن حب، وهذا أمر لم تسع أي جهة رسمية لإخفائه، خلافا لما كان يحدث بالأمس.
إن زوجة الملك الآن، خلافا للسابق، أصبحت شخصية عمومية، تضطلع بمهام، وتمثل المغرب بالخارج في جملة من الفضاءات.
وإذا كانت الأميرات، شقيقات الملك وعماته، دأبن على الاضطلاع بجملة من المهام الاجتماعية والرئاسة الشرفية لبعض الهيئات، فإن دور الأميرة لالة سلمى تجاوز هذا الحد، برغبة ملكية، لتظهر كشخصية عمومية تتابع مهاما، وتمثل الملك والمغرب خارج الوطن وداخله.
وفي نظر بعض الملاحظين، تسعى الأميرة لالة سلمى إلى إبهار الملك، بالاجتهاد المستديم لبلوغ الأهداف التي رسمتها الجمعية التي تدير شؤونها، وهذا يصب في منحى واحد، ترسيخ الرؤية الملكية الخاصة بمغرب الغد، مغرب الحداثة.
لكن، كان لزاما على الأميرة لالة سلمى أن تؤكد موقعها في الأسرة العلوية والبلاد، وهو فضاء لم تخبر مسالكه ودواليبه من قبل.
منذ أن بلغ ولي العهد الأمير مولاي الحسن ربيعه الثالث، بدأت الأميرة لالة سلمى (28 سنة آنذاك) تقوي مكانتها كالسيدة الأولى بالمملكة، اضطلعت بمهام اجتماعية ودبلوماسية، وفي ظرف وجيز اكتسبت آليات “مهنة الأميرة”، وهذا ما برز على مختلف المستويات، هنداما ومظهرا وحركة واضطلاعا بالمسؤوليات التي على عاتقها الآن. فبعد مرور 4 سنوات فقط، اكتسبت السيدة الأولى دواليب “مهنة الأميرة الأولى”، لكنها قبل الانطلاق للاهتمام بمسؤولياتها، اهتمت أولا بدورها كزوجة للملك وكأم لولي العهد. لذا غابت عن الأنظار، ولم تعد تظهر في الصورة بقوة إلا بعد مدة….يتبع في الجزء الرابع