خالد الفقيلي
عبارة رددها وما زال يرددها أَرباب دكاكين الحي، إنها الجملة الخلاص التي تمكنهم من تفادي تبعات المتهربين من القروض البسيطة التي يمنحونها بدون ضمانة سوى محل السكنى وسمعة المقترض.
إنه الملصق الشهير الذي يستقبلك عند الدخول لأي محل للمواد الغذائية بالتقسيط.
إن القروض التي يمنحها هؤلاء التجار الصغار جعلتهم يتعايشون مع متغيرات كبيرة أَملتها عليهم العولمة وقوانين السوق الحر، بالإضافة إلى قدرة شرائية ضعيفة.
بظهور الأسواق التجارية الكبرى في العشرية الأخيرة من القرن الماضي في بلادنا، راهن الكثير من المحللين الاقتصاديين على اختفاء دكاكين الحي بذريعة أنها لا يمكن أن تساير المد الهائل لمثل هذه المجموعات الضخمة التي تتمتع بحجم طلبيات كبير يمكنها من الحصول على مواد بأثمنة تنافسية من قبل الممولين.
لكن ما حصل هو عكس كل هذه التوقعات، إن دكان الحي صمد أمام المنافسة الشرسة واستحق مكانته وبامتياز في سلسلة التوزيع، حيث استمد قوته ليس من طرف الممول الذي يلائم أثمنته حسب حجم الطلبيات بل من طرف المستهلك الضعيف الذي يقتني الحاجات اليومية لاستهلاكه التي لا تستدعي تنقله إلى السوق الممتاز، أو الزبون الذي اكتسب مع الوقت ثقة صاحب المحل ولم تشمله عبارة ممنوع الطلق والرزق على الله.
لقد شهد التوزيع في المغرب، خاصة ذلك الذي يتعلق بالمواد الاستهلاكية، تطورات كبيرة؛ أولا بظهور ثقافة الأسواق الكبرى، وثانيا بتنوع المنتوجات المعروضة.
إن قطاع التوزيع اليوم يضم طريقتين مختلفتين: الأولى تسمى عصرية تهم الأسواق الممتازة، والثانية تقليدية تهم محلات القرب أو ما يطلق عليها دكاكين الحي.
إن الإمكانيات الضخمة التي تتوفر عليها الأسواق الكبرى من مساحات شاسعة لعرض المنتوجات، وطاقات تخزين مهمة، وموارد مالية كبيرة، تجعلها في موقع قوة؛ حيث تعطيها وسائل كثيرة للتفاوض مع الممولين لتفرض عليهم أثمنة جد منخفضة وتلزمهم بتحمل آجال أداء تمتد لشهور، بل الأكثر من هذا تجعلهم يؤدون ثمن عرض بضائعهم إن أرادوا الحصول على مكان مميز فوق رفوفها.
أما دكاكين الحي فرغم ارتكازها على المستهلك البسيط، تبقى قوتها التفاوضية الوحيدة هي أنها تؤدي ثمن طلبياتها في الحين نقدا، مما يجعلها تفرض توازنا ولو بشكل جزئي على الممول المتعطش بدوره لسيولة فورية.
لقد مثَّل البقال في المغرب، ومازال، جزء من الثقافة الشعبية الأصيلة؛ فصاحب المحل يعد مستشاراً، طبيباً نفسيا، مرشداً عقاريا وَمُؤمَّنا بامتياز على أسرار الحي… هذا الدور الاجتماعي الصرف مكن الدكان من اكتساب قوة تنافسية في وجه المتغيرات الاقتصادية العميقة، لهذا يجب على الدولة أن تدعم قطاع التوزيع التقليدي لما تمثله هذه المقاولات الصغرى من دور أساسي في سوق الشغل، وتلائم السياسات الضريبية لكي لا تعرقل هذه الحلقة الهشة في التوزيع التي نفتخر بها ونعتبرها صنيعا مغربيا محضاً.
على الحكومة أن لا تثقل كاهل هذه الطبقة التي تلعب دورا مهما في حياة المواطن البسيط حيث تشجعه بمرونتها وبقروضها البسيطة على الاستهلاك، مما يعود بالنفع على نمو الاقتصاد الوطني بشكل عام.
كما أن على الممولين الموازنة بين قطاع التوزيع التقليدي والعصري والتعامل معهم بالشكل نفسه، واسـتعمال سياسة أثمنة موحدة.
فرغم أن الأسواق التجارية الكبرى تعتبر معرضا للمنتوجات وضرورة في استراتيجية التسويق لكل شركة، فإن صاحب الدكان يعد بدوره أحسن وسيلة تواصل يمكن أن يعتمدها الممول لبيع منتوجاته والتعريف بها.
“ممنوع الطلق والرزق على الله” جملة لا محالة ستتوارثها الأجيال المتعاقبة مادام “مول الحانوت” قائما بمقامه، والدولة حريصة على دوره التاريخي ومكانته الاجتماعية.
إن الحانوت هو المكان الوحيد المتبقي لنا لصلة الرحم والتواصل مع جيراننا والرد على ابتساماتهم في بداية كل يوم بكلمة “صباح الخير”، فلنحافظ جميعا عليه.