بسم الله الرحمن الرحيم
مرت ثلاثة أشهر على الحادث، ما جعل بطلنا ينسى أنه ارتكب جُرما في حق طفل بريء، بل الأكثر من ذلك، واصل حياته الاعتيادية مقتنعا بأن لا شيء يمكن أن يعكر صفو هنائه وأن ما من أحد يقدر على معاقبته أيضا أمام ما يمتلكه من جاه و قوة ونفوذ …في نظره.
فحدث أن جاء اليه أحد شركائه في التجارة يشكو له تراكم الديون بسبب الأجر الزهيد الذي يتقاضاه، فلم يستسغ الرجل المتسلط ما جاء على لسان شريكه المحتاج، فدفعه بقوة حتى كاد الأخير أن يسقط ثم انصرف من غير كلام زائد، وكأن هذا التصرف كفيل بان يُسكت هذا الشخص المشتكي كتحذير له على ألا يُعيد طرح مشكل “حساس” كهذا، والا كان مصيره الطرد من العمل.
نظر اليه الشريك المغلوب على أمره نظرات تحمل الكثير مما لم يستطع لسانه النطق به، فولى مدبرا يائسا وفي نفسه ألم يغلبه أمل في أن يرى هذا المتكبر وقد نال جزاءه الذي يستحق جراء فعله الغادر .
مرت أيام انتابت الرجل المتسلط وعكة صحية مفاجئة، فلم يقو على مباشرة أعماله ونشاطاته المعهودة، وفضل ملازمة المنزل عل الذي أصابه يزول مع شيء من المسكنات والادوية. لكن، ما من تحسن في حالته الصحية بحيث بقي الألم كما هو، فقرر في النهاية زيارة أشهر أطباء المدينة.
كان الوقت ظهرا عندما قابل الطبيب في اليوم التالي وهو في حالة من الشحوب لا توصف، أشار اليه بالاسترخاء ثم عمد الى فحصه ، أخيرا، طلب منه اجراء بعض التحاليل الطبية بُغية تشخيص المرض ومن ثمة اعطاؤه الدواء المناسب لأن الفحص السريري لا يُجدي أحيانا لمعرفة نوع الداء ، وهو ما لم يتقبله الرجل المتسلط وكأنه برفضه يمكن أن يُثني الطبيب عن قراره.
كان الطقس الذي شهد عودته الى الطبيب متقلبا بحيث بدأت تعصف بشدة، أوراق الشجر تتطاير هنا وهناك، بينما غطت سحب كثيفة رمادية اللون سماء المدينة في اشارة الى قدوم أمطار محتملة. وقف هو أمام نافذة ينتظر دوره في شرود، يفكر يتأمل ويتساءل بينه وبين نفسه غير مصدق أنه في عيادة طبيب وهو المعروف عنه لياقته ونشاطه وقوته التي لا تُقهر…في اعتقاده، وعندما نودي عليه، كانت الرياح قد هدأت و بدأت الغيوم ترسل قطراتها الاولى.
وضع التحاليل الطبية بين يدي الطبيب ثم جلس يترقب واضعا يديه الباردتين فوق ركبتيه يُخفي قلقه، رفع الطبيب نظره اليه ثم قال بنبرة يائسة :
-لا أدري كيف أُخبرك ؟
ازداد قلق الرجل المتسلط فقال:
-ما نوع مرضي أيها الطبيب …أخبرني.
رد الطبيب قائلا دون تردد ثان :
-يؤسفني القول أنك مصاب بالتهاب في الكبد…و…وغالبية المرضى به قد يستجيبون للعلاج ، وهناك حالات أيضا لا ينفع معها علاج ، كحالتك هذه … للأسف .
أجاب المريض:
-ماذا تقصد بهذا الكلام أيها الطبيب؟
قال الطبيب:
-يعني …يعني أن أملك في الشفاء… ضئيل.
ازداد اصفرار وشحوب الرجل المتسلط وهو يوجه وابلا من الاسئلة الى الطبيب في فزع:
ما الذي تقوله ؟ لقد كنت بصحة جيدة ولم أكن أعاني من أية أعراض …فكيف…كيف أصبت بهذا المرض؟
أجاب الطبيب:
-قد لا يسبب مرض التهاب الكبد أية أعراض الا من مرور الوقت، لكن من الممكن الكشف عنه انطلاقا من اختبارات الدم كالتي طلبتها منك ، فلماذا كل هذا القلق اذا كنت سأصف لك دواء بحسب حالتك؟ يبدو أنك لا تصدقني مع أن التحاليل تبين ذلك.
رد الرجل المتسلط في يأس:
– -عفوا لا أقصد ذلك ، لكنك قلت لي للتو أنني من المحتمل أن أفقد حياتي؟
– نعم، قلت ذلك لكن أطلب منك أن تعود الي بعد مرور اسبوعين، لأرى مدى تحسن حالتك على الأقل .هل فهمت؟
عندما خرج من العيادة كانت قد بدأت تمطر بغزارة… مشى خطوات قليلة قبل أن يتوقف ويستند الى حائط وهو شارد…
يائس… محطم…
يُتبــــع…
عمل يستحق التنويه والتقدير.
قصة ربما تكون حقيقية انما هي تستحق القراءة