زايو سيتي: أسامة اليخلوفي
كانت مدينة زايو في عهد الاستعمار الإسباني تلقب بـ“مدينة الحدائق”، وذلك لما كانت تتوفر عليه من مساحات خضراء، وحدائق غناء استقطبت الزوار من المناطق المجاورة.
وبرزت في تلك الفترة الحديقة الأندلسية وسط المدينة، كتحفة فنية تسر الناظرين وتُريح نفوس الزائرين، وكانت بحق نقطة اِلتقاء أهالي المنطقة.
في قلب مدينة زايو، بملتقى شارعيْ محمد الخامس وسيدي عثمان، تقع “الحديقة الأندلسية” أو أو لـلامريم. لم تكن مجرّد مساحة خضراء، بل كانت تحفة معمارية ومتنفساً روحانيا، بناها الجنرال الإسباني أوركاس في أربعينيات القرن الماضي، مستلهماً جمال العمارة الأندلسية من جنوب إسبانيا، فجاءت متكاملة؛ بنافوراتٍ رائعة، وممراتٍ تتزين بطاووس ملوّن الريش، وورودٍ نادرة.
كانت الحديقة ملتقى، وموعدا، وسِجلًا حيًّا لأحاديث الناس، وضحكات الأطفال، وخطى الشيوخ. كان يُطلق عليها “الباركي لكبير”، لا لفرط مساحتها فقط، بل لعظمة حضورها في ذاكرة المكان والناس.
لكن، وكأنّ عقارب الزمن قررت أن تدور بعكس الاتجاه، أُوكلت الحديقة لجماعة زايو، فتسللت سنوات الإهمال إلى قلبها، وبدأت ملامح الجمال تتلاشى كما يتلاشى العطر من الوردة الذابلة.
نافوراتها صمتت، وهدير المياه تحوّل إلى صدى بعيد. الطاووس اختفى، والحيوانات الأليفة غادرت بصمت، والأشجار والورود رحلت دون وداع، وكأنّ الماضي يُمحى من الذاكرة عن قصد.
حاول المجلس الجماعي أن يُعيد الروح إلى الحديقة بتعديلات، لكنها بدلاً من أن تُصلح، زادت المكانَ غربة، فبدت وكأنها فقدت عنوانها، وهويتها، بل وحتى اسمها “الحديقة الأندلسية”
اليوم، حين يمر أبناء زايو القاطنين فيها أو المغتربون من أمام الحديقة، تغلبهم الدموع، وتغمرهم الذكرى. فالمكان الذي كان ملتقى للبهجة، صار مأوى للحمقى والمشردين. ولأول مرة، تخاف الأقدام من العبور، وتخشى الأرواح من الاقتراب.
في زمن مضى، كان الزهر يملأ المكان عطراً في الحديقة، تستنشقه من بعيد، كانت هناك كافيتيريا صغيرة عند إحدى الزوايا، تحضن الجالسين على مقاعدها الخشبية، فيمسكون بكؤوس الشاي ويتهامسون، والحديقة من حولهم تنصت وتبتسم. لكن الزمن مرّ، كما يمرّ الخريف على البساتين، ذبل الزهر، وصمتت النافورات، وذاب الحلم كما يذوب الضوء في الغروب.
غابت الأيدي الحانية التي كانت ترعى المكان، فدخلها من لا علاقة له بالسكينة، وأصبحت مرتعًا للمشرّدين، تئنّ في الليل من الغرباء، ومن صدى الخطى الخائفة، الإنارة انطفأت منذ سنوات، فلم يعد الليل هناك جميلاً، بل صار عتمةً ثقيلة تُرهق القلب، ولا مقاعد مطمئنة، لا طاووس، لا كافيتيريا، لا ورد، كل شيء غادر وكأنّه لم يكن، سوى الذاكرة، حتى التعديلات التي أجراها المجلس الجماعي لم تُعد البهاء، بل أضافت إلى الوجع طلاءً باهتا، لا يُقنع العين ولا يواسي القلب.
حديقة الأندلس لم تَمُت، لكنها تنام تحت ركام الإهمال، تنتظر من يوقظها، من يعيد للورود لحنها، وللليل ضوءه، وللمكان اسمه. وفي هذا الصدد، يُطالب مواطنون من جماعة زايو إنقاذ الحديقة، من خلال الدوام على سقي أشجارها وتشذيبها، حتى تعود الحياة إليها من جديد، بجانب تأهيل جنباتها ومرافقها.