الحسناوي خالد من هولندا
كم هو سهل أن يشارك المرء أحلامه مع الآخرين معتقدا انها تراكمات واقع ملموس. فهي في حقيقة الأمر عملية بسيطة وغير معقدة في قالبها الرواءي الصرف، لكنها قد تكون منافية للواقع وتكون مضامينها خارج اطارها الموضوعي والاخلاقي.
هذا ما سنكشفه مع المسمى ب “يوبا” من خلال نافذته اللايفية من مدينة “دوسلدورف” الألمانية. خرجات استطلاعية و لايفات ليلة كل جمعة تحلل بعض الموضوعات الاجتماعية بمنهجية نرجسية ان صح التعبير عليها. فهل هي نرجيسية الذات ام نرجسية الفكرة؟
اراه في فترته الراهنة وكأنه يعيش مرحلة المراهقة السياسية. ولربما هي مرحلة يريد إخراج “جمهورية افلاطون” بمدينة دوسلدورف الالمانية الى ارضية الواقع.
لن ادخل في جدال السب ولا في وسيلة التهجم على شخصه البريء، لانها ليست من طبيعتي، بل سأحاول قدر الإمكان تحليل الفكرة والخروج باستنتاجات اعتقد انها منطقية لاشارككم اياها.
اذا عدنا الى الظرفية التاريخية لليفات “يوبا” نجد انها ولدت نتيجة الحراك الاجتماعي الذي عرفته منطقة الريف على الخصوص. هذا الحراك، وكما يعلم الجميع، قد تم استغلاله من طرف ثلة من الأولين كل حسب هواه ومبتغاه و مصالحه التي لم تكن اشد وقعا من ثلة قليلة من الاخرين التي ارادت تعطيل عجلة التنمية وارجاع البلد الى العصور الوسطى. فعملية استغلال الحراك هذه كانت في رأيى على الشكل التالي:
1- تم استغلاله من قبل بعض الاحزاب لأغراض انتخابية؛
2- تم استغلاله من طرف البعض من أجل الاقصاء؛
3- تم استغلاله من أجل اهداف ثقافية ضيقة؛
4- وهناك شريحة مهمة من المجتمع ترى الحراك شكلا من أشكال النضال المشروع من أجل البناء والتقدم الى الأمام مادام ان الحراك قد اتخذ السلمية منهجا وطريقة للتعبير عن الرأي وفضح العشواءية في تسيير الأمور الاجتماعية من خلال مسيراته الحضارية؛
5- اما الأغلبية الساحقة من شرائح المجتمع فبقيت كعادتها واقفة على جوانب ارصفة الشوارع متفرجة و بدون رأي او تصور وكانها اغلبية تنتظر نتائج الانتخابات لتختار او تنحاز الى اغلبية وكانها قطيع يتبع النتائج كيفما كانت دون المشاركة في خلق وصنع هذه النتائج؛
6- اما الاقلية القليلة، وهي ثلة من قليلة من الآخرين، فقد استغلت الحراك من أجل اهداف تقسيمية عرقية وعنصرية متخذة عملية نشر الكراهية سلاحا يفتخر به.
اما هذه الاقلية القليلة فهي ممثلة بشتى أصناف النرجسيين الذين يطمحون الى كرسي الزعامة و الرياء. معتقدين انهم اصحاب الراي النزيه في حين اعتقد انهم يسلكون صراطا غير مستقيم وتمثيليتهم تمثيلية مزيفة.
اما “يوبا” فهو يمثل اقلية أخرى من بين هذه الاقلية القليلة. ويتخذ مدينة “دوسلدورف” الالمانية مقرا له في الدعاية ونشر أفكار ومغالطات عدوانية. والغريب في الأمر انه يأخذ من فكر المجاهد الأكبر عبد الكريم الخطابي رحمه الله مرجعية وسلوكا الشيء الذي يمس مصداقية حركة التحرير يؤولها حسب احلالمه وهواه.
لقد تتبعت بعض من لايفاته ورأيت انه بعيدا كل البعد عن الدعاية ونشر الافكار المبدءية للسلم والعدالة الاجتماعية لسبب واحد هو انه لا يتوفر على افكار او تصور بل هي مواقف عاطفية صرفة ووقفات استعراضية. تراه مرة يسب نساء الريف لاختياراتهن، وتارة اخرى يتهجم على رجال الريف لاختيارهم وسلوكاتهم ومرات عديدة يهاجم ويسب المغاربة وكان وحيا اتاه افلاطون وجمهوريته. يفقه بعيدا عن عمق التحليل و عن الاسباب الحقيقية لظروف المعيشة الاجتماعية الحالية.
فماهي دعاية ونشر لافكار تنويرية، بحكم انه يقيم في دولة الحق والقانون، ولا هي منادات لجمع الشمل ومناقشة الافكار الاساسية التي تعرفها الساحة الوطنية على العموم. دعاية اذن للتفرقة العنصرية والعرقية!
اما عن تطرقه لموضوع “الجمهورية الريفية” فاعتقد انها مسرحية يتخذها ويستغلها كما تم استغلال الحراك لاغراض في نفس يعقوب.
تاسيس الجمهورية الريفية على يد البطل التاريخي عبد الكريم الخطابي لم تكن ابدا من اجل نية التقسيم العنصري بل كانت محطة اولية في سبيل التحرر واستقلال المغرب كله ووسيلة للظغط على المستعمر لجمع حقاءبه. لو كانت نيته كذالك لما حاول الهجوم على مدينة فاس التي تعتبر خارجة على نطاق منطقة الريف الجغرافية. ولو افترضنا، واقول افتراضا، ان المجاهد كانت نيته هي تاسيس هذه الجمهورية بنية الانفصال، فهل كانت من المنطق ان تستمر هذه الجمهورية في الحياة؟ لا اعتقد ذلك لان اغلبية الشعب المغربي كانت موالية للملك والعرش في اطار استقلال المغرب الكامل. فالواقعية في التحليل لا تشجع على الخوض في غمار نقاش شكلي و عاطفي. ان منطقية وموضوعية التحليل تعني ان تاسيس الدولة على اسس معروفة في القانون الدولي كانت شكلية. واعني بالاسس، تلك العناصر الؤسسة لمفهوم الدولة الحديثة و كما نعلم جميعا فانها ثلاثة عناصر اساسية:
– الشعب؛
– التمثيلية؛
– الأرض بحدودها.
عنصر الشعب لم يكن موجودا واعني ان جميع القبائل كانت ترى في ثورة عبد الكريم جزء من ثورة الشعب المغربي في عملية التحرير والتحرر من ويلات الاستعمار الاسباني و الفرنسي على السواء. وكانت هناك قبائل أخرى تناصره في تحرير المنطقة كمرحلة اولية في اتجاه تحرير كل بلاد المغرب ولم تكن هناك رغبة لدى الريفيين في الانفصال أبدا.
اما عنصر التمثيلية فقد حصل بثقل عمليات المقاومة وانتصاراتها على ارضية الواقع. و بعد اخماد المقاومة وشرارتها، لم يعد هناك حس ولا نية في خلق دويلات صغيرة في دولة واحدة حتى من قبل المجاهدين انفسهم. لم يكن هناك رغبة سياسية ولا اقتصادية ولا استراتيجية.
اما عنصر الأرض فلم تكن هناك حدودا واضحة ليتم الاعتراف بها من طرف الهيئات الدولية. ولم يكن هناك وطنا تاريخيا اسمه الريف ليؤخذ كمرجعية للتفاوض.
اما القول بان النظام الجمهوري نظام ديموقراطي اكثر منه بكثير من النظام الملكي فهذا كذب وافتراء.
كل الأنظمة العربية والاسلامية باستثناء تركيا، إيران ولبنان هي دول لها انظمة بمثابة انظمة ملكية ولو ان اسم بعضها جمهوريات.
أليست هولندا، اسبانيا، انجلترا و… دول ذات أنظمة ملكية تعيش في إطار نظام ديموقراطي يحترم الواجبات والحقوق؟
نعم قد تمون هناك استطلاعات للراي حول شعبية هذا النظام او ذاك. حيث راينا مؤخرا ان حوالي 80% من الشعب الهولندي يختار الملكية كنظام. وهي اراء يعرفها الجميع ويتم تداولها في كل مناسبة حسب النطاق و الظرفية الزمنية. لكن تبقى في حدود الابداء بالرأي. اما تاريخ هولندا، ومعروف لدى الجميع، ان النظام الملكي هو الذي كان ساءدا الشيء الذي يجعل الاغلبية تتشبث بجذور تاريخها ولو شكليا واعتباريا.
اريد التطرق الى هذه النقطة فقط لتبيان ان اختيار النظام المناسب لشعب ما يعتمد كذالك على الجذور التاريخية والثقافية وعلى التقاليد المتعارف عليها و التي لا يمكن انكارها وفصلها على الواقع المعاش بعيدا عن احلام عاطفية او شكلية او اسباب عرقية.
اما اذا عدنا الى منطقة الريف الكبير فلم اجد ان هناك تاريخيا، ما يسمى بجمهورية اسمها الريف قبل حقبة الاستعمار طبعا. اما تاريخ الامازيغ فنعلم جيدا ان هناك مماليك كمملكة ثامزغا مثلا بحدود واسعة لا يمكن مقارنتها بما يزعم فقيهنا “يوبا” اليوم. فاي نظام يؤمن به يوبا؟ وعن اية جمهورية يتحدث عنها؟
اما الدعاية لجمهورية الريف فهي دعاية عاطفية عنصرية قبلية لا تعتمد على المنطق العلمي الموضوعي ولا على النزعة التاريخية.
واتساءل فقط لماذا هذه الضجة التي يتم فيها تغييب جزء من أخلاقيات النقاش والمسؤولية حيث يتم اخراج السكة عن موقعها و تؤدي فقط الى نتيجة الكراهية والتفرقة العنصرية.
نعلم ان الفكر الذي بني عليه ادب المهجر ابان ميخاءيل نعيمة وجبران خليل جبران هو ادب انساني ورسالة انسانية. فعلينا، كسفراء خارج البلد الأب (حتى لا استعمل كلمة مهجر)، الا ننجر وراء هذه الافكار المجردة من المضون والتي تفرق وتهدم بدل ان تبني وتنشر ثقافة التسامح بيننا من اجل غد افضل و نهج ديموقراطي صحيح. اتمنى ان ناخذ بهذا الأدب المميز ونعمل على تطويره وانعاشه في كل المجالات.
نقط الضعف يجب تبيانها والعمل على تصحيحها في اطار مغرب واحد بثقافاته المتشعبة والمتعايشة.
اما الاغلبية الساحقة، ان لم اقل ان الجميع لا يريد سماع هذه الافكار التشويهية وثقافة الدويلات النرجيسية بل ان الكل يتطلع الى افكار تنويرية والى نشر ثقافة الاخوة والوحدة بدل التفرقة والكراهية.
ف”يوبا” يمثل اقلية الاقليات تحسب بالخشيبات ان لم اقل انه يمثل نفسه فقط. فلا داعي لتمرير مغالطات لشريحة مهمة في المجتمع الاوروبي. هذه الشريحة تعرف قيمة الرأى والرأي الآخر وتعرف كيف تميز بين النرجسية والموضوعية في التحليل.
يعتقد “يوبا” انه يدافع عن الديموقراطية لكني اراه ديكتاتوري الطبع والشكل وخالي الوفاق والنهج. لا مرجعية فكرية ولا نظرية علمية يمكن الاعتماد عليها. فهو لا يمثل الريف و لا علاقة له به الا علاقة النسب، لسبب واحد وهو انه يعيش في فلك فلسفة اليونان و “جمهورية أفلاطون”. وهو بذالك يكون بعيدا كل البعد عن افاق وتطلعات الجماهير الشعبية في الريف والمغرب ككل.
استنتج من كل هذا اولا، ان “يوبا” انسان، ربما، يتخذ لايفاته من اجل الاسترزاق من وراء هذه المواضيع. والمتتبعين لليفاته لا تعني ابدا تبني افكاره.
ثانيا انه ربما، يشتغل لاجندات غير معروفة.
او ثالثا، انه نرجسي الطبع وهو بذالك ضحية ما يسمى بظاهرة االنرجسية التي انتشرت اخيرا مع انتشار استعمال وساءل التواصل الاجتماعي.
وكما اننا نتطلع الى مغرب جديد يحتضن الجميع في اطار نظام ملكي، فاننا نتطلع كذالك الى مغرب بعيد عن مغرب القمع والتشريد، والى مغرب يلعب دورا مهما في النمو والتقدم بمشاركة الجميع دون اقصاء أحد.