عبد الاله حمدوشي
إثر دعوة رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، إلى تنظيم انتخابات نيابية مبكرة، عقب الهزيمة الكبيرة التي مني بها تياره في الاستحقاقات المحلية والجهوية التي أجريت يوم الأحد 28 ماي 2023، وحقق فيها الحزب الشعبي اليميني المعارض فوزا كبيرا، يبقى سؤال التخوفات واردا بخصوص آثار صعود اليمين الإسباني إلى الحكم، وتداعيات ذلك على علاقات التعاون بين الرباط ومدريد.
في هذا الصدد، قال أحمد نور الدين، الخبير في العلاقات الدولية، إنها “ليست أول مرة ولا آخرها، التي يفوز فيها الحزب الشعبي أو اليمين بصفة عامة في الانتخابات الإسبانية”، مشيرا أن “المغرب وإسبانيا بلدان استطاعا التعايش وتحقيق مصالح مشتركة، وتمكنا من عبور أزمات وعواصف، منها أزمة جزيرة ليلى وأزمة اليخت الملكي قبالة الحسيمة، وغيرها”.
وأضاف نور الدين، أنه “في انتظار ما ستفرزه الصناديق خلال التشريعيات المبكرة، التي دعا إليها بيدرو سانشيز، فإن الانتخابات المحلية والجهوية لا تؤثر مباشرة في القرار الحكومي الإسباني، لأن الانتخابات التشريعية، هي التي تفرز الحكومة وليست الانتخابات المحلية”.
وتابع المتحدث، أنه “حتى في حال صعود اليمين الإسباني للحكم، فإن التجارب السابقة أثبتت أن المصالح الاستراتيجية لا تتأثر بتغير الحزب الحاكم بشكل عام، ما عدا بعض القضايا المتعلقة بالخطاب الشعبوي لليمين الذي يحمل نبرة عنصرية، قصد مغازلة ناخبيه من خلال التخويف من “المورو”، الذي يعتبر مصطلحا تجتمع فيه كل الأشباح التاريخية والمعاصرة التي تشكل فزاعة للكتلة الانتخابية اليمينية، حيث يجتمع في “المورو” (أي المغربي)، الرهاب من الإسلام أو الإسلاموفوبيا، والهجرة التي تسوق على أنها تسرق مناصب الشغل من الإسبان، والإرهاب الذي أصبح بعبعا في أوروبا والعالم، رغم أن 80% من ضحاياه هم من المسلمين”.
“ولكن هذه القضايا تظل شعارات أيديولوجية لتعبئة الأصوات فقط”، يوضح نور الدين، مردفا بالقول: “أما المصالح الاستراتيجية، فطبيعتها تجعل من مدريد المستفيد الأكبر، وبالتالي هي الحريصة على الحفاظ عليها بل وتطويرها”.
وأبرز الخبير في العلاقات الدولية، أن “المبادلات التجارية بين مدريد والرباط تجاوزت رقم 20 مليار دولار سنة 2022، وتحقق فيها إسبانيا فائضا تجاريا يتجاوز 3,4 مليار دولار على حساب المغرب، كما تتواجد أزيد من 800 شركة فوق التراب المغربي، ناهيك عن التعاون في ملفات أمنية تتعلق بمحاربة شبكات الجريمة المنظمة العابرة للحدود، والجماعات المتطرفة، والهجرة غير النظامية، وكذلك الصيد البحري الذي يضمن مناصب الشغل لأزيد من أحد عشر ألف صياد إسباني”.
وذكّر المتحدث بـ”أزمة 2011، حين حاول البرلمان الأوروبي استثناء أقاليم الصحراء المغربية من اتفاق الصيد البحري، فرفض المغرب تمديد الإتفاق، مما أدى إلى خروج أحد عشر ألف بحار إسباني إلى البطالة التقنية، وهو ما أشعل الجبهة الاجتماعية والنقابية، وأثار مشاكل اجتماعية للحكومة الإسبانية لمدة 19 شهرا، على خلفية إضرابات واحتجاجات الصيادين الإسبان وعائلاتهم، والتي كانت تدفع لهم الخزينة الإسبانية تعويضا عن البطالة”.
“وهناك أيضا ملف عبور أزيد من ثلاثة ملايين مغربي صيفا، ومثل هذا الرقم أو أكبر منه خلال باقي شهور السنة عبر الموانئ الإسبانية، مما يجعل بعض المدن الأندلسية مرتبطة في اقتصادها بهؤلاء المغاربة القادمين من مختلف الدول الأوربية. وهناك الملف الذي تعتبره إسبانيا حساسا ويرهن جزءا من مستقبلها الاقتصادي، وهو المفاوضات مع المغرب لإيجاد سبل التعاون لاستغلال الجرف القاري والمنطقة التجارية الخالصة للسواحل المغربية قبالة جزر الكناري، خاصة وأن مدريد فشلت في محاولات لاستغلال رخص التنقيب عن النفط والغاز أو المعادن النفيسة في هذه المنطقة الحيوية للبلدين. وقد وردت إشارة إلى ذلك، وإن كانت بشكل مستتر ومحتشم في رسالة سانشيز للعاهل المغربي يوم 18 مارس 2022، وكذلك في الإعلان المشترك في 7 أبريل من نفس السنة اثناء زيارته للرباط، حين تحدث عن ضرورة امتناع الطرفين عن اتخاذ إجراءات أحادية الجانب”، يورد نور الدين”، مشيرا أن “ذلك يشير في تقديري المتواضع إلى أمور كثيرة من بينها وضع المدينتين المغربيتين المحتلتين سبتة ومليلية، وكذلك مبادرة المغرب بشكل سيادي وأحادي إلى ترسيم حدوده البحرية”.
وأكد المتحدث، أن “كل هذه الملفات جعلت العلاقة بين البلدين “علاقة دولة” لا تتأثر إلا لماما بتغير الألوان السياسية الحاكمة في مدريد”.
وأوضح أن هذه “العلاقات تتوفر على نوع من التأمين أو المناعة القانونية، من خلال اتفاقية الصداقة وحسن الجوار التي وقعت سنة 1991، والتي أرست آليات فض الخلافات والتحكيم في حال وقوع منازعات بين الجانبين، وكذلك الإعلان المشترك في 7 أبريل 2022، والذي تدارك بعض الثغرات بعد أزمة زعيم الانفصاليين “ابن بطوش” التي قوضت عنصر الثقة الذي يعتبر الأهم في العلاقات الدولية”.
وزاد: “هناك العشرات من الاتفاقيات التي تجمع بين البلدين في كل المجالات، آخرها حوالي 19 اتفاقا ومذكرة تفاهم في فبراير 2023 على هامش انعقاد اللجنة العليا المشتركة، تنضاف إلى 11 اتفاقية تم توقيعها بالرباط سنة 2019 بمناسبة زيارة العاهل الإسباني”.
إلى ذلك، أكد نور الدين ، أنه “لا خوف على هذه العلاقات التي أصبحت موثقة ومحصنة بفعل تعاظم المصالح المشتركة، وبفعل أيضا الأزمات التي عملت في كل مرة على تدارك الثغرات وتجاوز الخلافات”، مردفا أنه “مع ذلك لا يجب أن يثنينا ذلك عن المطالبة والسعي والعمل بكل الطرق المشروعة، لاسترجاع الثغرين المحتلين، وحوالي عشرة جزر في المياه الإقليمية المغربية”.