بقلم أحد الطلبة
الليلة السوداء
كنا غارقين في نوم عميق فإذا بنا نستفيق على ضجيج وصراخ لا نعرف سببه، قفزت على سريري حتى دست على رجل صديقي، ألقيت نظرة من النافذة فرأيت النوافذ تكسر والطلبة يركضون، لحينها لم أدرك أنه حريقا حتى إذا بصديقي يفتح الباب، فإذا بالدخان يغمر الغرفة، أول ما خطر في بالي هو النافذة، ثم أدركت أن المسافة بعيدة، لن أستطيع القفز، الظلام دامس، ضوء مصباح الهاتف لا يضيء حتى على نفسه بسبب كثافة الدخان الأسود، قررنا الذهاب نحو منفذ الإغاثة فلم أجد ما أضعه في قدمي، ليس هناك وقت، نحن نختنق، فهرعنا للخروج وأنا حافي القدمين، لحظة خروجي من باب الغرفة أحسست بحرارة النيران، فتملكني خوف شديد، يا إلهي ذنوبنا كثيرة، لسنا مستعدين للرحيل، غرفتي بعيدة عن باب الخروج، الظلام دامس والدخان يخنقنا والنيران ورائنا، كنت أحبس الأنفاس من الفينة إلى الأخرى، كنا نتخبط أنا وأصدقائي لأننا نجهل أين نحن ذاهبون، لا نرى أي شيء إطلاقا، يبدو أن هذا الممر أطول مما كنا نعتقد، أحسست أن لا نهاية له، حتى إذا بي ألمس باب الخروج، فكانت الصدمة أنه مسدود، ماذا نحن فاعلون؟ نحن نختنق لا نستطيع العودة للوراء، فتمالكت نفسي للحظة وبدأت أتحسس الباب لعلي أفتحه، ولا أعرف كيف لعله فضل من الله إذا به يفتح وخرجنا نسترجع أنفاسنا. فأمسكت الباب ليخرج من كان ورائي وبدأت أصرخ وألوح بهاتفي لأدل لمن لم يجد الطريق إلى الخروج، تأكدنا أن لا أحد ورائنا. وهرعنا لنجدة أصدقائنا، فلما وصلت إذا بي أرى أحد الطلاب يصرخ من وراء شباك النافذة يطلب الإغاثة، حاولنا خلع ذلك الشباك الحديدي فلم نستطع، لم نجد الوسيلة لذلك، فجأة لم نعد نره، يبدو أنه فقد الوعي وسط ذلك الدخان الكثيف، كاد قلبي أن يتوقف و تغرغرت عيناي بالدموع، لا يمكننا تركه، سيموت! فرأينا أن الغرفة التي بجانبه مخلوعة الشباك الحديدي، فقرر أحدهم الدخول من هناك وإخراجه فقمنا بتلثيمه وحملناه نحو النافذة. إنها حقا لشجاعة لا يمكن وصفها. ثم بعد بضعة ثوان عاد إلينا حاملا صديقه فحملناه وأخذه بعضهم للمصحة. صرخ أحدهم أن هناك من لا يزال عالقا وسط النيران فهرعنا إليهم، النيران تلتهم باب غرفتهم وهم في الداخل يصارعون من أجل البقاء أحياء، بكل شجاعة قاتلو تلك النيران. كادت النيران أن تذيب أجسادنا رغم ذلك حاولنا إخمادها، حملنا المياه في أي شيء وجدناه أمامنا، لم نكترث بالمخاطر، فأصدقاؤنا سيحرقون أحياء. منا من غامر بحياته، اندفع وسط تلك النيران غير مبال بحياته، همه إنقاذ أصدقائه أو الموت معهم، لا أحد يستيطع أن يتصور ما حدث ويستحيل إيجاد الكلمات المناسبة لوصفه، جحيم بكل ما للكلمة من معنى، سترك يارب، استطعنا وبفضل الله إخراج الكل، في الجهة الأخرى هناك من عانى الأمرين وهناك من حاصره الدخان داخل غرفته، بطريقة أو أخرى وجدوا طريقهم للنجاة واستطاع الكل الذهاب لسلالم النجاة، أغلبهم اختنقوا ولكن صمدوا، لا طريق للأسفل فالأبواب مقفلة لم يستطع أحد كسرها، فأفرش الطلاب بعض الأسرة، فبدأ الجميع بالقفز، إنها قفزة خطيرة ولكن لا بديل! لأن المخرج الوحيد نحو النيران. وجهونا وأجسادنا سوداء وأقدام أغلبنا حافية، كل هذا وكالعادة حتى كاد الطلاب أن يخمدوا النيران وصلت شاحنات الإطفاء متأخرة جدا كأنها قادمة من مدينة أخرى، خراطيمهم ممزقة وخطواتهم ثقيلة، أحصينا خسائرنا وتفقدنا أصدقائنا لحينها، لم نكن نعرف أن بعض الإصابات خطيرة، تمنينا الشفاء للجميع ودعونا ألا يطيب أحد أي مكروه، طلع أخيرا ضوء الصباح فكشف عن آثار دماء لأحدهم تمتد من الجناح حتى باب الحي الجامعي، وما هي إلا دليل على ما عاناه صاحبها، آثار لن تمحى من قلوبنا وعقولنا حتى وإن محيت من الأرض. ثم بعد ذلك تفقدنا الغرف، فرأيت أن العديد من الطلبة قفزوا من غرفهم رغم علوها. أغلبهم تعرض لكسور، بعضهم لازالت دمائهم على النوافذ. طلع الصباح وبدأت أحس أن خطبا ما بقدمي، هناك جرح وانتفاخ كأنما شيئا صدمني، لم أعرف متى ولا كيف ورجلي من تحت كلها ثقوب. فقلت في نفسي لا يهم! هناك من حالتهم أخطر من حالتي. بعد ذلك بساعات قليلة سمعنا أن اثنين من الطلبة حالتهم خطيرة وسينقلون على وجه السرعة لتلقي العلاج.
كل الطلاب والطالبات في حسرة ويغمرهم الحزن، تمنينا أن يعودوا إلينا سالمين ولكن للقدر رأي آخر. حلت ساعة أحدهم، أعلنت وفاته، حزن خيم على الحي الجامعي بأكمله. غمرتنا الدموع، منا من استطاع حبسها ومن من اجهش بالبكاء، كان يمكن أن نكون نحن أو أحدنا. ألهذه الدرجة كنا قريبين من الموت، أهي حقا بهذه السهولة. لم تكن لنا معرفة شخصية بأخينا الذي توفي ولكن ذلك اليوم جعل الله له مكانة في قلوبنا كأنه منا. فقدانه أحزننا وكسر خاطرنا. لم نصدق أو نتقبل فقدان أحدنا، ثم إذا بنا نصدم بوفاة طالب آخر، نحن لازلنا على وقع الوفاة الأولى فكيف لنا أن نصبر للثانية. ماحرق قلوبنا أننا كنا هناك أمامهم، رأينا أجسادهم المحترقة، فكيف يعقل أن نفقدهم من بين أيدينا. تأثير الواقعة شديد على من كان هناك وعلى من رآهم يصارعون الموت أكثر من تأثيرها على غيرهم. للأسف هزمتنا النيران، كانت أقوى منا، غفلتنا أثناء نومنا، لم تمهلنا الوقت لنحاربها. هذه نبذة بسيطة عما وقع تلك الليلة، ذكرى لن تنسى أبدا. أما الآن ما علينا إلا الدعاء لفقيدينا وشهيدينا.
اللهم ارحم حسام وحمزة وارزقهم الفردوس الأعلى. اللهم تقبلهم شهداء عندك. اللهم اغفر لنا ولهم يارب.