زايو سيتي
شتنبر من سنة 1995، يحمل كريم رحوتي وثائق التسجيل من أجل بدء الموسم الدراسي، حيث سيلج المستوى التاسع بإعدادية علال الفاسي، الوحيدة آنذاك، بعدما اجتاز السنتين السابعة والثامنة بتفوق ملحوظ.
َوالد كريم يشتغل مياوما في البناء، فهو بالكاد يتدبر مصاريف أكل وملبس أسرته، في الحد الأدنى من المستوى المعيشي، لكن الابن يعاشر أصدقاء من حال أوليائهم ميسور.
دخل كريم إلى الإعدادية فوجد اسمه ضمن تلاميذ التاسعة 4، ويبدو أن كل شيء تم ترتيبه بعناية، حيث أن أغلبهم ينتمي لأسر غنية داخل المدينة، وبينهم كريم المجتهد، وهي ميزته بينهم.
شرع كريم في نسج صداقات داخل القسم، لكن بعد مرور حوالي أسبوعين، جاء أحد الإداريين إلى القسم، فنادى اسم كريم رحوتي، وطلبه بحمل محفظته والنهوض من مكانه.
حمل كريم أدواته، قبل أن يخاطبه الإداري بالقول: “ابني كريم، سوف تنتقل للدراسة في قسم التاسعة 2، حتى يكون هناك توازن في العدد بين الأقسام”.
استغرب كريم ما يحصل، لكن سرعان ما تبدد استغرابه، بعدما عرف أن ابن إطار يشتغل داخل معمل السكر سيتم إلحاقه بالقسم بدل كريم.
لم يجد التلميذ الفقير ما يقول أو ما يفعل، فكَظَمَ غيضه ليخرج من القسم صوب قسم جديد، وقلبه يعتصر المرارة، لأنه فَهِمَ كل شيء، لكن ما باليد حيلة.
وإذا كان قسم كريم الأول يحتضن علية القوم، فإن القسم الجديد يحتضن أبناء الفقراء، وبينهم تلاميذ مشاغبون وآخرون كسلاء لا رغبة لهم في الدراسة.
توالت الأسابيع والشهور، وجاء موعد الامتحان الموحد لآخر السنة، فعاد علية القوم ليجاوروه في قاعة الاختبار، وهنا بدأ فصل آخر من فصول الاختلالات داخل الإعدادية.
لاحظ كريم أن عددا من الأساتذة يلجون قاعة الامتحان بكثرة، وفي كل مرة يشرعون في إملاء الأجوبة على تلاميذ بعينهم، فقرر بدوره السؤال عن أحد التمارين، فما كان من أستاذ المراقبة إلا أن انتفض في وجه كريم مهددا إياه بالعقاب.
تساءل كريم عن سبب معاملة تلاميذ معاملة تفضيلية عن زملائهم، ليتم استدعاء المدير، بأن كريم يخلق الشوشرة داخل القسم. وما كان المدير إلا أن اقترب من التلميذ الفقير محذره بأشد لهجة، مع دعوة الأب للقدوم في الغد، موعد الامتحان في مواد أخرى.
أَحَسَّ كريم بمرارة الظلم والقهر، لكنه واصل الامتحان، وفي الغد جاء الأب فوصفوا لهم سلوك الابن ليوم أمس بكونه تصرفا غير مقبول، وبدا الغضب على وجه الوالد، الذي عاقب ابنه بالضرب بمجرد العودة للمنزل.
ما حصل طيلة السنة أَثَّرَ على كريم، ليفشل في النجاح، ولأن القدر يُنصف المظلومين، فقد كان لسقوطه سببا في تغيير مسار حياته نحو الأفضل.
حل الصيف وجاء عم كريم القاطن بألمانيا، هذا الأخير متزوج وليس له أبناء، لخلل صحي يعانيه، فطلب أخذ كريم معه صوب ألمانيا لإكمال دراسته.
غادر التلميذ الفقير رفقة العم وزوجته، فولج المدرسة هناك لتعلم اللغة، ثم التسجيل في إحدى المؤسسات التعليمية. ولأن الظروف مواتية، اجتهد وجد كريم ليحصل على معدلات مرتفعة، وكان واضحا عليه التفوق في الرياضيات والفيزياء.
تخرج كريم وأبلى البلاء الحسن، ووصل لسن العمل، فكان موضوع تنافس بين مجموعة من الشركات الراغبة في الاستفادة من خدماته.
استقر كريم رأيه على العمل ضمن عملاق الإلكترونيات “سيمنز” SIEMENS، التي يقع مقرها في مدينة ميونخ. وهنا تسلق المراتب لكفاءته.
وبعد سنتين من العمل، تم تعيين كريم رئيسا لقسم الهندسة المعلوماتية داخل الشركة، وهو اليوم مشرف عام على مقرات الشركة عبر العالم.
هي قصة لشاب يتذكرها باستمرار، وأمله أن لا يحدث لآخرين ما حدث معه، ولسان حاله يقول: “سامحت الكل إلا من آذاني خلال سنتي التاسعة بزايو”.
وتجدر الإشارة إلى أن “سيمنز” شركة ألمانية متعددة الجنسيات مقرها في ميونيخ، أكبر شركة صناعية في أوروبا، ولها مكاتب فرعية في الخارج.
مشاء الله اللهم بارك