بقلم عبد العزيز أشرڭي
حتى أغلق قوس #المهرجان_الدولي_للسينما #والذاكرة_المشتركة_بالناظور الذي فتحتُه يوم أمس، وحتى لا ينعتنا البعض بالعدميين أو المنتقدين لمجرد الانتقاد، أو المنقادين لموجة التنديد بهذه التظاهرة الدورية، التي بلغت “موسمها” العاشر هذا العام، أو المتحاملين عليها أو على منظميها أو أشياء من هذا القبيل… فإني أروم التوضيح هنا، بأن رأيي وموقفي بشأن المهرجان الآنف الذكر ينبثقان من قناعة شخصية وينطلقان من اعتبارات موضوعية عديدة لا بأس من بسط خطوطها العريضة بتفصيل أكثر في هذا المقام.
أولا، مبدئيا أنا لست ضد تنظيم مهرجان سينمائي بمدينتي، بل على العكس تماما أنا أؤيد ذلك وأعتبره إضافة نوعية للفن والثقافة المحليين وفرصة فعلية لإعطاء إشعاع للمنطقة على هذين المستويين وعلى أصعدة أخرى لا تقل أهمية عنهما. كما أني من المتذوقين للسينما كفن وصناعة ومن السابرين لأغوارها والعارفين بأصولها وعناصر الإبداع فيها والقادرين على الحكم بعمق ودقة على الغث والسمين من إنتاجاتها، من جميع الجوانب وبالنسبة لسائر تصنيفاتها. بَيْد أني كمواطن ناظوري، وبصرف النظر عن ميولاتي وهواياتي وقدراتي الفنية والثقافية، لا يمكن أن أهضم واقعة تنظيم مهرجان للسينما في الناظور على مدار سنوات، إلى أن بلغ حاليا نسخته “الممسوخة” رقم عشرة، بينما المدينة تفتقر إلى كل شيء فيما يهُم قطاعيْ الفن والثقافة عموما ومجال السينما بوجه خاص. فلا معاهد فنية ولا مراكز ثقافية ولا خزانات عمومية ولا مسرح ولا قاعة سينما أو قاعة عرض ملائمة… بهذه المدينة المنكوبة فنيا وثقافيا. كيف يستقيم إذن تنظيم مهرجان للسينما – تحت أي مسمّى كان – تُصرف على كل نسخة منه الملايين، طوال أعوام دون حسيب ولا رقيب، في مدينة الناظور التي لا تتوفر على أدنى مقومات وشروط إقامة مثل هكذا مهرجان، حتى أن من تداعيات هذه المفارقة الصارخة السافرة أنه بات يعرف محليا عند الخاصة والعامة بمهرجان الخيمة إشارة إلى تلكم الخيمة العجيبة الضخمة، القابلة للتركيب والتفكيك مثل خيام مموني الحفلات، التي تأوي ضيوفه وفعالياته في مشهد كاريكاتوري مثير للضحك والبكاء في آن معاً. أليس هذا هو المسخ بعينه والعبث في أقصى صوره؟
ثانيا، شكليا وجوهريا أنا ليس لدي موقف لا من قريب ولا من بعيد تجاه أي كائن كيفما كان موقعه داخل الهرم التنظيمي للمهرجان الناظوري. أنا مجرد مواطن بسيط، بلا انتماء حزبي أو نقابي أو جمعوي أو فئوي من أي نوع أو لون أو ميل، له كغيره غيرة على مدينته وله الحق في التعبير عن رأيه بخصوص هذا المهرجان، والذي يرى من جهته أنه مضيعة للوقت والجهد والمال إذا أخذنا بعين الاعتبار النتائج المحققة من حيث إشعاعه كمهرجان “دولي”، التي تكاد تكون صفر نتيجة. فبعد تسع دورات كاملة والعاشرة في أوجها سائرة، أخبرونا يرحمكم الله، هل لهذا المهرجان النشاز ثمة صدى فعلي ولو على المستوى الوطني، فبالأحرى على الصعيد العالمي، ثم ما هي القيمة المضافة التي قدمها للمدينة أو لفنانيها ومثقفيها المحليين، وهل ساهم ولو بقسط يسير في التشجيع على السياحة وتغيير النظرة النمطية إلى الناظور الأبية، وهو الذي يمر كسحابة صيف عابرة سرعان ما تجف قطراتها الموحلة، من غير زرعٍ ولا وقعٍ يُذكر من بعدها. ماذا غيَّر المهرجان عندنا، نحو الأفضل أقصد، وما هو محله من الإعراب في الناظور، بصراحة وبدون انبطاح ومحاباة لمنظميه ومن يقفون وراءهم؟
ثالثا، معنويا ورمزيا أنا لست ضد تكريم نجاة بلقاسم، التي ذكرتُها بالإسم هاهنا لكونها الوجه الأبرز الذي وضعه المهرجان في الواجهة – أو في فم المدفع أو باعتبارها “الفم الذي سيأكل به الثوم”… لا أعلم – والشخصية التي لا يسعنا إلا أن نحترمها ونقدرها، وإن كنا نقف وقفة المحايدين حيال مسألة تكريمها كوجه ناظوري (تنتمي للإقليم من حيث المولد والنشأة خلال الطفولة المبكرة) لم تقدم لها المنطقة أي شيء سوى شهادة الميلاد، ولا هي قدَّمت للمنطقة شيئا ملموسا – في حدود علمي البسيط – يُحسب لها، اللهم شرف وفخر الانتماء، على أساس وصولها إلى درجة عالية ووازنة في هرم السلطة الفرنسية حين عُيِّنت داخله سابقا وزيرة للتربية الوطنية كأول امرأة تتولى هذا المنصب المرموق في فرنسا. موقفي الذي عبَّرت عنه في تدوينات مقتضبة سالفة، إنما ينصرف إلى واقعة تكريم شخصية أخرى تنتمي هي كذلك للمنطقة (مع التنويه والتنبيه مرة ثانية إلى أن مواقفنا لا ترتبط بالأشخاص – الذين لهم علينا واجب الاحترام، كلٌّ على حد قدره – وإنما برمزية تكريمهم) والكل عندنا يعرف تلك الشخصية التي قلتُ بأن تكريمها فيه إهانة لذاكرة الريف بالنظر لكونها سليلة أسرة كان رَبُّها عسكريا رفيع الرتبة لدى القوات الاستعمارية الإسبانية، لِما قدَّمه لها من خدمات دموية “جليلة” في مواجهة ساكنة الريف، لم يتردد في حمل السلاح ضد أستاذه القديم الذي درَّسه في مدينة مليلية والذي هو ليس سوى بطل الثورة الريفية محمد بن عبد الكريم الخطابي، كما سبق له وأن شارك مع الجانب الإسباني في معركة أنوال الخالدة ضد الريفيين بقيادة الأمير الخطابي سنة 1921، فضلا عن قيامه بجمع وتجنيد العشرات من أهل الريف الأبرياء والزَّج بهم في الحرب الأهلية الإسبانية، للقتال إلى جانب الديكتاتور فرانكو. هذا دون أن ننسى دوره ومشاركته سنة 1959، بعد تبوُّئه للمسؤولية بالجيش المغربي عقِب الاستقلال، في الحملة القمعية التي باشرها المخزن المغربي آنذاك ضد انتفاضة الريف مرتكباً في ذلك أفظع الجرائم ضد الإنسانية. أبَعدَ هذا كله، يأتي صاحب المهرجان/المركز ليشنِّف أسماعنا بترديده لازمة “الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية والسلم”، ويرفع أمامنا “دروعه” ويعلن عن منح المهرجان جائزة سمَّاها “الجائزة الدولية لحقوق الإنسان والسلم” دون أن يرِفَّ له جفن؟
رابعا وأخيرا، إنسانيا وأخلاقيا أنا لا أستسيغ – وهذه قناعتي كما أن لكلٍّ قناعته – إقامة مثل هكذا مهرجان، حسب ظروف الزمان والمكان وما تَقدَّم بسطه من حيثيات على سبيل البيان، بينما المنطقة ينهشها ويفتك بأبنائها داء السرطان بنسبة تُّعد هي الأعلى على الصعيد الوطني وذلك لأسباب تاريخية تتمثل بصفة رئيسية في الغازات السامة التي استعملها الجيش الإسباني للقضاء على المقاومة الريفية حينها. كيف يمكن أن نقنع المصابين بهذا المرض الخبيث وعائلاتهم، الذين يعانون أشد المعاناة بسبب انعدام وجود مستشفى أو مركز خاص بعلاج داء السرطان في المنطقة، بأن مهرجان الناظور للسينما (دونما سينما ولا هم يحزنون) ليس ترفاً على شاكلة المقولة الشعبية الساخرة “النشاط ها هو شاط”، ينطوي على كثير استخفاف بآلامهم ومُقاساتهم، ولا يساهم إلا في زيادة تعميق جراحاتهم النفسية. كيف يمكن أن نتقبَّل، نحن أبناء الناظور مثل هذا الوضع بصورة عادية كأنه وضع طبيعي ولا يمسُّنا في شيء، فنطبِّل مع المطبِّلين ونزمِّر مع المزمِّرين. ألَيس من مسؤوليتنا الأخلاقية والإنسانية أن نطالب بأولوية الأولويات بالنسبة لمنطقتنا أي مستشفى السرطان، بدلاً من هذه المهزلة المسماة، زورا وبهتانا، “المهرجان الدولي للسينما والذاكرة المشتركة بمدينة الناظور”؟
تسلم. كلامك صحيح. و موجع. انه القطيع.مع مودتي. توقيع علولة
حفظك الله أخي الكريم السي علولة.. كل الشكر والود والتقدير…