بقلم: د. محمادي لغــزاوي
3. وضع الناطقين بالعربية
في ما يتعلق بالوضعية المغربية، فإن النموذج السائد أكثر من غيره والأكثر استعمالا هو العربية الدارجة المغربية التي تستعمل بمثابة lingua franca أو لغة التواصل بين الناطقين بالعربية والناطقين بالأمازيغية، مع بعض التغييرات الطفيفة الجهوية على مستوى المعجم والمورفولوجيا والصواتة. وتعتبر العربية المغربية ولهجات أخرى يجري الحديث بها بالنسبة للغالبية مفهومة بشكل متبادل. وفي ما يتعلق باكتساب اللغة في المغرب، تُكتسب العربية المغربية باعتبارها اللغة الأم، تماما كما هو الشأن بالنسبة للأمازيغية، في حين يتم تعلم العربية الحديثة المعيارية في المدرسة.
بالرغم من أنه يتم الحديث بالعربية في مجموع العالم العربي، فإنها ترتبط في السياق الهولندي بالمغاربة بسبب حضورهم المكثف والمهم منذ الستينيات من القرن العشرين. وبطبيعة الحال فإن هناك مواطنين عرب آخرين، مثل المصريين والتونسيين والجزائريين، لكن بنسبة أقل بكثير من المغاربة. وفي دراسة عن وضع واستعمال اللغات الأكثر تواترا في الأراضي المنخفضة (Broeder & Extra, 1999)، قدمت بعض الإحصائيات عن بلد ميلاد الأطفال وآبائهم. فلقد أظهرت هذه الدراسة أن أغلبية المتحدثين بالعربية هم من المغرب، بالإضافة إلى أقلية من مصر و العراق و تونس و الجزائر وسوريا ولبنان والصومال.
1.3. لمحة تاريخية والتطور الديموغرافي
أصبحت العلاقات بين الأراضي المنخفضة والمغرب متينة بكيفية خاصة في القرن السابع عشر. ذلك أن العداء المشترك إزاء إسبانيا في تلك الحقبة قوّى العلاقات بين المغرب وهولندا. لكن جامعيين وباحثين كانوا قد بدأوا قبل تلك الحقبة في تعلم ودراسة لغة الشرق وثقافته. وكانت اللغة العربية تُدرس في عدة جامعات هولندية باعتبارها لغة العلوم و المعرفة. وفي العقود الأخيرة، كان حضور جماعات إثنية قادمة من بلدان عربية واحدا من الأسباب التي دفعت المختصين إلى دراسة اللغة العربية بهدف فهم السياق التاريخي والثقافي لهؤلاء المهاجرين. ولفهم الوضعية اللغوية للمغاربة المقيمين بهولندا، تم تناول الإطار التاريخي الاجتماعي لمسلسل الهجرة ومخلفاتها، بالإضافة إلى اعتماد قوانين وتدابير لتعليم الأطفال المنحدرين من الهجرة.
التعدد اللغوي والتعدد الثقافي اللذان يطبعان المجتمع الهولندي ليسا ظاهرتين حديثتين. ذلك أن الأراضي المنخفضة عرفت ظاهرة الهجرة منذ ما يسمى بالقرن السابع عشر «الذهبي». ففي تلك الحقبة كان قرابة 10% من السكان من أصل غير هولندي. ومنذ ذلك العهد، كانت الهجرة نحو هولندا تقوم على أسباب سياسية واقتصادية. ففي النصف الثاني من الستينيات وبداية السبعينيات من القرن الماضي، ومع تزايد الطلب على العمال، بدأ المشغلون الهولنديون يبحثون عن يد عاملة رخيصة وغير مؤهلة في البلدان النامية. وقد تم جلب أؤلئك العمال المهاجرين لمباشرة أشغال لا تتطلب مؤهلات أكاديمية والعودة بعد ذلك إلى بلدانهم الأصلية. مع ذلك، وبالرغم من كافة التوقعات، أصبح مقامهم دائما إلى حد ما (Amersfoort, 1982).
وقد تم تشغيل العمال المغاربة، ضمن آخرين، وقدِموا بمفردهم من أجل العمل والإقامة بصفة مؤقتة في هولندا باعتبارهم “Gastarbeiders”، وهو ما يعني عمالا ضيوفا.
وأحدثت تلك الهجرة الإقتصادية ما يمكن أن نسميه بالهجرة الإجتماعية؛ أي أن أعضاء الأسرة التحقوا بآبائهم، في إطار ما صار يعرف بالتجمع العائلي. وقد حمل المهاجرون الجدد معهم تراثا هائلا من اللغة و الثقافة والدين.
أغلب المغاربة الذين يعيشون في الأراضي المنخفضة، أي حوالي 70% قدموا من شمال المغرب ومن منطقة الريف بصفة خاصة، كما تبين ذلك أغلب الدراسات (Amersfoort, 1982). وقدم آخرون من جنوب المغرب أو من مدنه الكبرى. وبالرغم من أن أصل غالبية المغاربة يعود إلى البادية فإنهم يتمركزون أساسا في المدن الكبرى مثل أمستردام وروتردام ولاهاي و أوتريخت، في الجزء الغربي من هولندا.
ومنذ بداية الهجرة نحو هولندا، عرف عدد المغاربة تزايدا متواصلا. فقد بلغ عدد المغاربة، حسب الإحصائيات الوطنية لسنة 1971، 22.000 وفي سنة 1987، بلغ هذا الرقم 130.000، بسبب التجمع العائلي بصفة خاصة (Saidi, 2001). وفي سنة 1990، ارتفع مجموع المغاربة إلى 167.810 (Smeets, et al, 1998). وفي سنة 2010، بلغ العدد الرسمي للسكان من أصل مغربي 349.270 (CBS, 2010).
2.3. وضعية الناطقين بالعربية في التعليم الهولندي.
أغلب المهاجرين المغاربة قدموا من منطقة الريف، كما سبقت الإشارة إلى ذلك. وتتميز هذه المنطقة من شمال المغرب بنسبة مئوية عالية من الأمية (Laghzaoui, 2005). حيث أغلب المهاجرين المغاربة من الجيل الأول لم يلجوا المدرسة أو على الأكثر تلقوا تعليما أوليا، خصوصا في الكتاتيب القرآنية ببلدهم، في الوسط القروي على وجه الخصوص. وتبين الأبحاث أن حوالي 75% من النساء و60% من الرجال أميون (AMREC, 2000).
كما بينت دراسات مختلفة أن الأطفال المغاربة يسجلون بعض التأخر مقارنة مع نظرائهم الهولنديين في النتائج المدرسية (Tesser & Iedema, 2001). والأطفال المغاربة ممثلون بوفرة في الفئات الدنيا لمؤسسات التعليم مثل المدارس المهنية، وممثلون بقلة في التعليم العالي. وهناك، علاوة على ذلك، نسبة مئوية عالية وغير متناسبة من الإنقطاع عن الدراسة. ولإدراك هذه الظاهرة، تُذكَر عدة عوامل تفسر هذه النتائج الهزيلة.
وتتمثل هذه العوامل على وجه الخصوص في خصائص التلاميذ وأصلهم، ومدة الإقامة بهولندا، والإلمام باللغة الهولندية، ومستوى تعليم الآباء والوسط العائلي، علاوة على جودة المدارس والمدرسين بصفة عامة (Penninx, 1998). جدير بالذكر أن نسجل في هذا الصدد أن هناك تحولا إيجابيا في المشاركة التعليمية الحالية للمغاربة حيث تم، حسب الإحصائيات الوطنية، تسجيل تزايد عدد الطلاب في التعليم العالي في السنوات الأخيرة (CBS, 2021).
3.3. وضعية الناطقين بالعربية في سوق الشغل
قدمت الحكومة الهولندية، حسب ما ورد في مشروع القانون حول الأقليات “Minderhedennota” لسنة 1983، مخططات مختلفة لتشجيع الاندماج الاجتماعي للأقليات في هولندا (Entzinger, 1984). ويتمثل أحد هذه المخططات في محاربة الفوارق الاقتصادية- الاجتماعية ضمن مجموعات الأقليات. وقد أكدت الحكومة الهولندية على ما يسمى بثلاثية السكن والتعليم والشغل.
و تُعد مشاركة المغاربة في سوق الشغل الهولندية هزيلة هي الأخرى بسبب عدة عوامل نذكر من بينها وضعية التعليم التي تطرقنا إليها من قبل. علاوة على ذلك، فإن النساء والأشخاص الذين يزيد عمرهم عن 45 سنة يشاركون بكيفية ضئيلة في سوق الشغل.
ويمكن أن تُعزَى الظاهرة الأولى إلى الأحكام المسبقة الثقافية في ما يتعلق بوضع المرأة ودورها، في حين ترتبط الثانية بالعدد الكبير من الأشخاص غير المؤهلين بين صفوف العمال المهاجرين.
ومع ذلك، لم يعرف المهاجرون عموما، والمغاربة بكيفية خاصة، حتى بداية السبعينات، مشكل البطالة لأن الاقتصاد الهولندي كان في حاجة إلى الكثير من اليد العاملة غير المؤهلة. لكن نسبة البطالة بين صفوف الجالية المغربية، حسب الأرقام الحديثة، مرتفعة بكيفية مهمة مقارنة بالسكان الأصليين.
لغة الضاد في بلاد الطواحين: دراسة سوسيولسانية للّغة العربية في هولندا (الحلقة الأولى)