بقلم: محمادي لغــزاوي
تمهيد
نحاول في هذه الدراسة فحص وضعية اللغة العربية في مملكة الأراضي المنخفضة (هولندا). ونبدأ بتقديم الإطار العام والتاريخي. وسيتناول التحليل بعد ذلك بُعدين: يعالج الأول وضع الناطقين بالعربية في الأراضي المنخفضة. وسيتم استجلاء ذلك بفحص الإطار التاريخي- الاجتماعي لمسلسل هجرة الناطقين بالعربية وما ترتب عنه، بالإضافة إلى موقع وتوزيع هؤلاء الناطقين بالعربية في التعليم وفي سوق الشغل الهولندية. ويعالج المستوى الثاني وضْع العربية كلغة في الأراضي المنخفضة. ولفهم هذا الوضع سيتم التركيز على موقع اللغة العربية في مختلف الميادين، مثل التعليم (في إطار برنامج تعليم اللغة الأصلية [Home Language Instruction program (HLI)] والديانة والمنظمات الثقافية- الاجتماعية ووسائل الإعلام والأدب. وسنقوم في الأخير بفحص بعض المتغيرات، مثل الحفاظ على المعارف اللغوية المكتسبة واللغة السائدة واللغة المفضلة واختيار اللغة وتغيير اللغة والمواقف اللغوية للناطقين بالعربية المولودين بهولندا.
1. مقدمة
وجود اللغة العربية في الأراضي المنخفضة قديم للغاية، ويعود إلى نهاية القرن السادس عشر؛ حيث تم إدخالها وتدريسها بجامعة لايْدن Leiden، أقدم جامعات هولندا منذ إحداثها سنة 1575. وتعتبر العربية بمثابة إحدى اللغات الأكثر أهمية في العالم، باعتبار أنها لغة شعائر الإسلام منذ القرن السابع وأنها تشكل لغة رسمية في كل البلدان العربية. وهي علاوة على ذلك إحدى اللغات الرسمية لمنظمة الأمم المتحدة. واليوم يخول حضور مجموعات اثنية أقلية وافدة من بلدان عربية عديدة، ومن المغرب بصفة خاصة، للغة العربية وضعا خاصا على الساحة اللغوية الهولندية.
بدأ الاهتمام بدراسة العربية والعالم العربي، في أوربا وفي هولندا بصفة خاصة، في العصور الوسطى لغايات تتعلق بالتبشير. وفي هولندا، تعود العلاقة الملموسة مع العالم العربي إلى القرن السادس عشر. و كان العالِم الهولندي الرائد الذي قضى عمره في دراسة وتدريس اللغة العربية هو المستشرق طوماس فان إرْبه Thomas van Erpe (1584-1624) الذي عُيِّن أول أستاذ للعربية وللغات شرقية أخرى. وقد اشتغل مترجما وفي مجال الترجمة الفورية لفائدة أقاليم و محافظات هولندا آنذاك. وشجع ذلك العالِم سياسيين هولنديين على احتضان طلبة وجامعيين لتعلم لغة الشرق، التي كانت آنذاك إحدى الوسائل الضرورية في مجالات التجارة والعلاقات الدولية. ومنذ ذلك الحين كانت اللغة العربية تدرس في جامعتين هولنديتين باعتبارها لغة للعلوم (الرياضيات، الفلك، الطب، الفلسفة،…). واليوم، جعل حضور أقليات وافدة من بلدان عربية، ومن المغرب بصفة خاصة، من العربية لغة أكثر أهمية. فالعربية تعتبر، بالنسبة لهذه المجموعات، لغة الدين والتراث والمدرسة. وتعتبَر العربية، علاوة على ذلك، إلى جانب الإغريقية واللاتينية والعبرية بمثابة إحدى لغات المصادر للحضارات الأوربية والمتوسطية.
2. اللغة العربية
تنتمي العربية إلى فصيلة اللغات السامية التي هي مجموعة من اللغات التي تتقاسم درجة معينة من تماثل البنية في صواتتها ومورفولوجيتها وتراكيبها (هولز Holes، 1995: 7). ويتم الحديث بالعربية في منطقة شاسعة، بما في ذلك شبه الجزيرة الإيبيرية وإفريقيا الشمالية والشرق الأوسط وبعض المناطق من آسيا. وهي اللغة الدينية لكل المسلمين.
ويميز اللغويون عموما فترات مختلفة في تاريخ اللغة العربية. ومن ثم، فإن العربية الكلاسيكية ترتبط بالشعر الجاهلي وباللغة المستعملة في القرآن. وفي الآونة الأخيرة أُدخِل مصطلح “العربية الحديثة المعيارية” للدلالة على اللغة المستعملة في الصحافة ووسائل الإعلام. ويتميز هذا النوع بالنحو الإعرابي.
وتعتبر العربية الحديثة المعيارية بمثابة اللغة الرسمية للمغرب وهي تستعمل كوسيلة تكوين في التعليم، وتشكل، مع الفرنسية اللغة المستعملة في الإدارة وفي وسائل الإعلام. وهي علاوة على ذلك لغة الدين الوحيدة.
عرفت اللغة العربية، خلال العقود الأخيرة من القرن السابع و بداية القرن الثامن، انتشارا سريعا للغاية في إسبانيا، بالغرب، وفي فارس بالشرق. وتعتبر اللغة العربية بمثابة عامل توحيد للدول العربية وتوجد ضمن اللغات الرسمية لمنظمة الأمم المتحدة إلى جانب الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والروسية والصينية.
والعربية هي، علاوة على ذلك، اللغة الرسمية لحوالي عشرين دولة مستقلة من الشرق الأوسط ومن إفريقيا (هولز Holes، 1995: 1)، وهو ما يجعل منها اللغة الأكثر حظوة في كافة أنحاء العالم العربي. وتوجد، علاوة على ذلك، أشكال مألوفة من اللغة العربية يتم الحديث بها في أجزاء مختلفة من العالم العربي، بعضها غير مفهوم بشكل متبادل.