بقلم: علال زوهري
حين خرج المغاربة قبيل 10 أعوام إبان ما عرف بالربيع العربي مطالبين بالتغيير وبإسقاط الفساد والاستبداد، لم يكن أحد يعلم ما يمكن أن تؤول إليه الأمور ولم يكن أحد قادرا على التكهن بالنتائج أو رسم سيناريوهات لما قد تفرزه الاحتجاجات والتحركات الشعبية آنذاك رغم وجود حراكات مشابهة بدول مجاورة وأخرى بعيدة لم يكن بالإمكان اتخاذها كمرجع لمن أجل وضع تصور لمستقبل البلد وذلك لاعتبارات متعددة أبرزها الخصوصية التي يتميز بها المغرب تاريخيا وثقافيا ومجتمعيا والتي تجعله مختلفا بشكل واضح عن باقي الدول حتى المجاورة له، ثم الغموض الذي كان يعتري تطور الأوضاع بدول الربيع العربي نفسها حيث أن الأحداث كانت متسارعة جدا وغير منتظمة ناهيك عن المفاجآت والمستجدات غير المتوقعة التي كانت تحدث من حين لآخر مما جعل من مهمة تحليل ودراسة الأوضاع مهمة صعبة بل وشبه مستحيلة.
لقد كانت المطالب المرفوعة من قبل المغاربة عديدة ومتباينة بين ما هو سياسي وما هو اجتماعي، فمن إسقاط للفساد ومحاسبة للمسؤولين الفاشلين إلى مطالبة بإصلاح الأوضاع الاجتماعية المزرية وحتى المناداة بنظام سياسي ديمقراطي وشفاف يعطي الفرصة للكفاءات من أجل نيل التقدير والاعتبار والمساهمة في بناء الصرح السياسي وتصدر مشهده عن طريق الوصول إلى مناصب التدبير والمسؤولية.
والآن بعد مرور كل هذه السنوات على إقرار الدستور المغربي وما تخلله من وعود عظيمة مسنودة بأيمان غليظة فحواها تغيير الأمور إلى الأحسن والقطيعة مع الزمن الغابر المعتم بالفساد والتأكيد على أن المغاربة سيشهدون نهضة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة ناهيك عن ثورة سياسية ما فتئ القادة السياسيون يتغنون بها في تجمعاتهم الخطابية مشددين على ضرورة التصويت لصالح الدستور بهدف تحقيق كل هذه المآرب، لازال المواطنون يستشعرون بقاء الفساد واستمرار التطبيع معه وكأنه الحالة العادية التي يجب أن تكون عليها الأمور، فساد يتخذ العديد من الصور والتجليات ابتداء بغياب النزاهة في العملية الانتخابية وما ينتج عنه من نخبة سياسية فاشلة تفتقد للكفاءة والحكامة في تسيير شؤون البلاد، وليس انتهاء بالمتاجرة بدماء المغاربة ومآسيهم من طرف اللوبيات الرأسمالية.
لازلنا نلحظ غياب الإرادة الفعلية لدى الفاعل السياسي من أجل تصحيح الأوضاع الخطأ، فلم نشهد منذ المصادقة على الدستور مشاريع وبرامج تنموية كبرى للنهوض بالقطاعات الحيوية بل على العكس من ذلك لاتزال سياسة الحلول الترقيعية والظرفية مستمرة، ولم نشهد بعد تحسنا في نمط حياة المواطن المغربي الذي ما فتئ يشكو من غلاء المعيشة ومن تكالب الفواتير والجبايات عليه حتى أضحت ظاهرة الزيادة في الضرائب والرفع من تكاليف الخدمات الأساسية نهجا سهلا تتخذه الحكومة كلما اشتد عليها الخناق، وأصبح واجبا على المواطن البسيط تحمل ثمن سوء تسيير المسؤولين الفاشلين الذين يتسببون في إفلاس المؤسسات العمومية.
لازالت الهوة بين الطبقات الاجتماعية المختلفة تزداد اتساعا إلى درجة كبيرة تنذر باحتقان خطير تتجلى بوادره في انهيار منظومة الأخلاق والقيم خاصة لدى الفئات العمرية الصغرى وانعدام الوعي لدى الفئات العمرية الأكبر باختلاف انتماءاتها المهنية والطبقية، بالإضافة إلى التزايد في أعداد الجرائم المتصلة بالسرقة والإكراه والابتزاز والنصب وجرائم القتل والاغتصاب، الشيء الذي يؤكد على عدم كفاية المقاربة الأمنية وحيدة لضبط الأمور وضمان الاستقرار مهما بلغت قوتها ومهما بلغ حجم الإمكانات المسخرة لها ما لم توازيها مقاربة إصلاحية شاملة تضمن تمتع الأفراد بحقوقهم الكاملة وتضمن مستوى العيش الأدنى الذي يحفظ الكرامة والإنسانية.
إنه وبعد إجراء مقارنة بسيطة بين مضامين دستور سنة 2011 وبين ما يجري فعليا على أرض الواقع يتضح لنا جليا مدى البون الشاسع بين ما هو مكتوب نظري وما هو عملي تطبيقي، وبتعبير أكثر دقة بين الشعارات والإنجازات، فما أكثر الكلام المعسول الصادر عن أفواه السياسيين والمسؤولين وما أكثر الأرقام المضللة والانجازات الورقية المبهرة التي نسمعها من أفواه أصحاب المناصب والكراسي، لكن هيهات هيهات فالمياه تكذب الغطاس، والواقع المرير ينطق بالحقيقة رغم المحاولات المستميتة لإخفائها، ولسنا مضطرين للنظر بعيدا فها هي ذي أزمة جائحة كورونا قد كشفت لنا مدى هشاشة البنية الاقتصادية والاجتماعية للبلد بشكل أضحى معه الاستمرار في التدليس والكذب مستحيلا لمن كان في نفسه حبة خردل من حياء.