أثار موقف حزب النهج الديمقراطي بخصوص التطورات الأخيرة في الصحراء المغربية وتدخل القوات المسلحة الملكية لتحرير معبر الكركرات جدلا واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ اعتبره البعض يغرد خارج الإجماع الوطني في وقت حساس تمر منه القضية الوطنية التي وصلت إلى حد المواجهات العسكرية.
ودعت الكتابة الوطنية لحزب النهج الديمقراطي، في بيان لها، إلى “تجنب التصعيد والحرب في الصحراء الغربية، واعتماد أسلوب السلم والحوار لتجنيب المنطقة وشعوبها ويلات الحرب”.
وأضاف الحزب اليساري المعارض أنه “يجدد موقفه الداعي إلى اعتماد المواثيق الدولية ومقررات الأمم المتحدة لحل قضية الصحراء الغربية للوصول إلى حل متفق عليه، بما يضمن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره ويخدم هدف وحدة الشعوب المغاربية”.
ووقف حزب النهج الديمقراطي، الذي يرفض العمل من داخل مؤسسات الدولة ويقاطع الانتخابات، في اجتماعه الأخير، على “اندلاع الصراع بموقع الكركرات بالصحراء الغربية وما يشكله ذلك من خطورة على السلم والأمن في المنطقة وعلى شعوبها”.
واعتبر نشطاء مغاربة على موقف التواصل الاجتماعي أن موقف حزب النهج الديمقراطي واللغة المستعملة ضمن البيان تتماشى مع مواقف جبهة البوليساريو، وتخدم الأجندة الانفصالية، وأكدوا أن المرحلة الصعبة التي تمر منها القضية الوطنية تتطلب موقفاً واضحاً؛ فإما أن تكون مع مغربية الصحراء أو ضدها.
وانتقد آخرون الصمت غير المفهوم لجماعة العدل والإحسان بخصوص عملية تحرير الكركرات، واستغربوا كيف يسارع التنظيم الإسلامي الراديكالي إلى التعليق على مختلف الأحداث والاحتجاجات التي تجري في المغرب عندما تكون الدولة “متهمة”، ويتجاهل معركة المغرب ضد استفزازات الانفصاليين.
ويرى آخرون أن شريحة من اليساريين والإسلاميين، خصوصا الراديكاليين منهم، تتفادى دائماً الاصطفاف مع الدولة في مواقفها ولو تعلق الأمر بنزاع الصحراء، إذ تختارُ دائماً رفع شعار المعارضة في وجه سياساتها ولو كان الأمر يتعلق بتعرض البلاد لتهديد أمني خارجي من قبل أعداء الوطن.
البراهمة: الصحراء منطقة نزاع
يرى مصطفى البراهمة، الكاتب الوطني لحزب النهج الديمقراطي، أن نقاش ملف الصحراء يجب أن يبتعد عن “سياسة النفاق” التي لا يُريد حزبه الدخول فيها.
وقال البراهمة : “هذا الملف يوجد فيه نفاق، ونحن لا نريد الدخول فيه. ويتجلى هذا النفاق في تأكيد جهة أن الصحراء مغربية ومحسومة، لكن في الوقت نفسه تدخل في مسلسل تسوية النزاع تحت إشراف الأمم المتحدة، المبني على مبدأ تقرير المصير، وكان مبنياً قبل ذلك على الاستفتاء، لكن عندما تعذر الأمر طرحت مسألة التفاوض من أجل حل سياسي”.
وبخصوص موقفه، أقر البراهمة بأن “النهج الديمقراطي مع الحل السياسي الأممي لهذا النزاع لتجنيب المنطقة ويلات الحرب، ويفتح المجال لبناء الوحدة المغاربية”، مشيرا إلى أنه ليس من مصلحة الشعوب الدخول في أي حرب.
وجوبا حول موقفه من التدخل المغربي السلمي لتحرير الكركرات، الذي جاء بعد عرقلة المعبر بالقوة من قبل ميليشيات البوليساريو، أوضح البراهمة أن “النظرة إلى الملف يجب أن تكون أوسع”.
وأورد البراهمة أن “الطرف الآخر (البوليساريو) يرى أن ملف الصحراء جامد منذ 1991، وبالتالي يبحث عن طريقة معنية لإثارة الانتباه عبر معبر الكركرات”، مضيفا أن البوليساريو حاولت من خلال هذه الخطوة أن “لا تقوم باحتكاكات كبيرة من خلال إرسالها مدنيين وليس عسكريين قصد الاعتصام بالمعبر من الجهة الحدودية الموريتانية وليس المغربية”، بتعبيره.
وخلص البراهمة، في تصريحه، إلى أن موقف النهج الديمقراطي لا يقر بمغربية الصحراء ولا يقول إنها تابعة لجبهة البوليساريو، مردفا: “موقفنا هو موقف الأمم المتحدة من هذا النزاع على الصحراء”، أي إنها منطقة متنازع عليها.
لمن أراد أن يطلع على موقف جماعة العدل والإحسان فليدخل الى موقعها على الانترنت وبكتب في خانة البحث ” الصحراء ” فهناك من المقالات ما يشفي ويكفي .
إخترت لكم هذا الحوار الذي أجرته جريدة القدس بتاريخ 5 دجنبر 2005 مع الأستاذ فتح الله أرسلان، الناطق الرسمي باسم جماعة العدل والإحسان، حول قضية الصحراء، لأهميته الكبرى على الرغم من مرور تقريبا عشرون سنة على نشره.
هل أنتم معنيون بالمشاورات التي ستجري حول الحكم الذاتي؟
بسم الله الرحمن الرحيم.
أعتقد أولا أن السؤال الحقيقي والواقعي هو هل الحاكمون يرغبون أن نكون معنيين بهذه القضية وكل القضايا التي تهم الشعب المغربي؟ الواقع يؤكد أن النظام لم يكن في يوم من الأيام يعنيه رأي أحد من الشعب المغربي، سواء في القضايا الكبرى أو الجزئية. إنما الأسلوب السائد هو الاستفراد المطلق بالقرار. واللجوء إلى الشعب ومكوناته بين الفينة والأخرى يكون صوريا فقط، أو عندما يريد إلصاق تبعات أزمة ما بالآخرين.
ثانيا ومن حيث المبدأ نحن معنيون بكل قضايا شعبنا وأمتنا، لكن من حيث الإجراء لا نقبل أن نكون بيادق في لعبة شطرنج، ولا أدوات مسخرة حسب الحاجة. وأي انخراط في عمليات صورية وحملات موسمية لن يزيد الوضع إلا تعقيدا وارتكاسا. وحالما ترجع الأمور إلى نصابها بأن تبنى علاقة الحاكمين بالشعب وقواه على أساس الاختيار الحر والمشروعية الشعبية والمسؤولية المتبادلة المبنية على عهود ومواثيق واضحة وملزمة، واحترام إرادة الآخرين، فسنكون سباقين للانخراط العملي في ما يهم شعبنا من قضايا، لأننا بكل بساطة جزء لا نتجزأ منه.
هل تعتقدون أن جبهة البوليساريو يجب أن تشارك في المفاوضات حول الحكم الذاتي؟
جبهة البوليساريو هي المخولة للإجابة عن هذا السؤال. وإن كان واقع الأمر أن المفاوضات السرية قائمة منذ زمن طويل بين الطرفين سواء في المغرب أو خارج المغرب وعلى أعلى المستويات وعلى أرضية كل الخيارات والمقترحات الرائجة الآن، والمستغفل الوحيد في العملية هو الشعب المغربي الذي كان يعمى عليه دائما بالشعارات الطنانة والخطب الكاذبة بأن النظام لا يعترف بالبوليساريو. كما أن وثائق الأمم المتحدة الموقعة من الطرفين تشهد أن المسؤولين المغاربة يتعاملون مع البوليساريو باعتباره كيانا قائم الذات بالاسم الكامل الذي يحمله. وبهذا تبقى مسألة أن يجلسوا للتفاوض حول هذه الجزئية أو تلك مسألة لعب في التفاصيل.
هل تعتقدون أن الأمم المتحدة سوف توافق على المبادرة؟
الأمم المتحدة تقول أنها لن تفرض حلا على أي طرف، وأن المسألة رهينة برضا الجميع. هكذا تقول وإن كانت العديد من الوقائع الدولية المماثلة تؤكد أن المسألة مسألة تجاذب وتوازن الكبار المعنيين بأي ملف متنازع فيه.
ما هو تصوركم لحل النزاع حلا دائما؟
لا سبيل لحسم هذه القضية، وكل القضايا الكبرى للشعب، جوهريا من دون حسم الأسس والأصول.
الأصل أن يعاد ترتيب طريقة إدارة شؤون البلد بأن تبنى على أساس الشورى بما تعنيه من دستور شعبي وحريات عامة وحقوق للإنسان وتعددية حقيقية لا صورية وسيادة للشعب ومسؤولية للجميع، حاكمين ومحكومين، أمام القانون. أعتقد لو كان بناء الدولة وفق هذه الثوابت لما طرحت قضية الصحراء أصلا. الكل يعرف معرفة جازمة أن ما حصل خلال عقود ما بعد الاستقلال الشكلي، والذي ما يزال مستمرا إلى اللحظة، من استبداد بالرأي والقرار، وقهر للشعب ومكوناته، وإذلال لأبناء المغرب في كرامتهم وأفكارهم وعيشهم، كل هذا كان كفيلا بتفجير هذا المشكل وغيره من الأزمات العميقة سواء منها التي طفحت إلى السطح أو التي ما تزال تغلي تحت قشرة رقيقة لا ندري متى تنفجر وتطفو إلى السطح.
إنما تم تفتيت الأمة الإسلامية والعربية وتمزيق أطرافها وترسيم الحدود بينها بعدما تم تفتيت أصولها وثوابتها، وبعدما تم قطع الخيط الرابط بينها وهو خيط الولاية العامة بين كل المسلمين بجامع الإيمان والتقوى والعبودية لله وحده. وقع الشتات، وهو مرشح للتزايد، حين توزعت ولاءات حكام المسلمين بين شرق وغرب وقوميات وإثنيات وقبليات وعصبيات. غثاء هي الأمة الآن كما وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نرى دواء لغثائيتها إلا برجوعها إلى دينها ونبذ الفرقة وطرد الاستبداد.
هل تخشون على وحدة المغرب من إقامة نظام الحكم الذاتي في إقليم وجهات؟
إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه من استبداد بالحكم وفساد في دواليبه وفي الإدارة، وما ينعكس عنه من تهميش للشعب ومكوناته، وتجهيل وتخويف وتفقير، وتفكك اقتصادي واجتماعي، وانحراف عقيدي وأخلاقي، فإننا نشد قلوبنا، كما يشدها كل المغاربة، خشية وإشفاقا من كل ما يحتمل أن تفرزه تلك الأمراض الفتاكة من أزمات وانفجارات، اصطلى المغرب بكثير منها، وقد حاول الاستعمار أن يلعب بهذه الورقة سابقا ففضحه الله وعصم البلاد والعباد من التشتت والفرقة إذ كانت الكلمة مجموعة وحافز الدفاع عن حرمة دين الله حاضرا. نسأل الله اللطف فيما تخفيه الأقدار وتظهر مؤشراته منبئة عما لا يفرح إلا العدو. وأنت تعلم أنه كلما كان الجسم عليلا وفاقدا لكل مقومات المناعة فإن أي جرثومة مهما كان ضعفها تهد الجسم بكامله.
لن نحس بالأمان حتى يعاد البناء على أساس من الشورى والعدل في الحكم والأرزاق، وحتى تحترم الحريات وترعى الذمم والكرامات، وحتى تعود الثقة المفقودة، وحتى ترتفع أسباب الثالوث المرعب المخرب: الجهل والفقر والخوف، ومع ذلك فإن أملنا في الله عظيم وإننا لنرى من وراء الأكمة مؤشرات ومبشرات بفجر صادق نسأل الله أن يكون قريبا.