الدكتور محمادي لغـزاوي يكتب:
قراءة في كتاب
المغرب: الصحوة الإسلامية وتحديات أخرى. للكاتبة الأمريكية مارفين هاو
Morocco: The Islamist Awakening and Other Challenges. by Marvine Howe
هذا الكتاب القديم الجديد صدر باللغة الانجليزية سنة 2005 في نيويورك عن مطبعة جامعة أوكسفورد من طرف الباحثة و الصحافية الأمريكية المخضرمة مارفين هاو و يتألف من 428 صفحة. تحاول مارفين هاو في مؤلفها أن تجيب عن السؤال المركزي كما هو مذكور في المقدمة: “هل يمكن لملكية مسلمة مطلقة أن تحتضن الديمقراطية على نمطها الغربي في عصر المواجهة المتزايدة بين العالم الإسلامي والغرب؟”
بالاعتماد بشكل رئيسي على تجربتها الخاصة منذ أن اكتشفت المملكة المغربية في أوائل الخمسينيات ، تقدم الكاتبة عرضا شاملا للمغرب وشعبه و ماضيه وحاضره. بالإضافة إلى ذلك ، مكنها عملها كصحفية مستقلة في المغرب ثم كمراسلة لصحيفة نيويورك تايمز من جمع كمية ضخمة ومتنوعة من المعلومات حول المغرب مثل المقابلات مع أكثر الشخصيات تأثيراً في التاريخ المغربي قبل الاستقلال وبعده. عند قراءة كل فقرة من الكتاب ، يحصل القارئ على انطباع بأن مارفين هاو تتقن تاريخ وجغرافية المغرب أفضل من ابناء البلد. كيف لا وهي قد عاصرت ثلاثة ملوك تعاقبوا على حكم المغرب بدءا بمحمد الخامس و مرورا بالحسن الثاني و وصولا الى الملك الحالي محمد السادس. ما يجعل كتاب هاو مميزًا هو أنها تثير بعض القضايا التي كانت حتى وقت قريب تعتبر تابوهات أو أمور “محرم الخوض فيها” من قبيل سنوات الرصاص في السبعينيات والثمانينيات ، الحياة الخاصة للملك الراحل الحسن الثاني ، قضية اختطاف المهدي بن بركة في العام 1965 والمحاولتين الانقلابيتين لعامي 1971 و 1972.
تجدر الإشارة إلى أن عنوان هذا الإصدار قد يعطي في البداية انطباعًا مختلفًا أو حتى مضللًا حول محتوى الكتاب. فموضوع الكتاب هو أكثر من مجرد التعامل مع الصحوة الإسلامية. هذه القضية، على الرغم من معالجتها بدقة ، ليست سوى أحد الجوانب التي تناولتها المؤلفة. بالإضافة إلى ذلك ، تتعامل الكاتبة أحيانًا مع بعض الأحداث والموضوعات بطريقة تبسيطية من خلال إعطاء تفسيرات لا تستند إلى حجج عميقة. ومع ذلك ، نجحت مارفين هاو، بشكل كبير و بموضوعية، في تناول التاريخ المغربي والتحديات السياسية والإجتماعية الشائكة التي تواجه هذه المملكة الحديثة والموالية للغرب.
يتكون كتاب مارفين هاو من أربعة أجزاء رئيسية وينقسم كل جزء إلى فصول مختلفة. يبدأ الجزء الأول بتقديم الملك الجديد محمد السادس، الذي تولى السلطة في العام 1999 كشخص غير معروف لمعظم الناس وحاول بسرعة تصحيح انتهاكات حقوق الإنسان التي حدثت إبان حكم والده، الملك الراحل الحسن الثاني، الذي دام 38 عامًا. إلى جانب ذلك، تواصل الكاتبة وصف المغرب الذي تغير بشكل كبير بعد نصف قرن من حصول هذا البلد على استقلاله. تسرد المؤلفة التحديات التي تواجه هذا البلد ’الغامض‘ حيث تتزايد الهوة بين الأغنياء والفقراء بسرعة فائقة. يقدم الجزء الثاني لمحة تاريخية عامة عن المغرب، بدءًا من السكان الأصليين للمغرب، البربر أو الأمازيغ الذين سكنوا شمال إفريقيا منذ الألفية الثانية قبل الميلاد، حيث تطرقت الكاتبة لمختلف الغزاة والسلالات التي حكمت المغرب حتى التاريخ الحديث. تنهي المؤلفة هذا الجزء بإلقاء الضوء على عهد الملك الحسن الثاني، وهي فترة حرجة وأكثر إثارة للجدل في التاريخ المغربي الحديث. في الجزء الثالث، تحلل مارفين هاو العوامل والتحديات المختلفة التي تواجه المجتمع المغربي الديناميكي. فمع ظهور الصحوة الإسلامية و تنامي المد الإسلامي خلصت الكاتبة إلى أن المغرب لم يعد بإمكانه تحمل التطرف الإسلامي والإستخفاف منه، خاصة بعد التفجيرات الانتحارية ضد أهداف في الدار البيضاء في 16 مايو 2003. قضية أخرى هي قضية حركات حقوق المرأة نظرا لأهمية هذا القطاع في المجتمع المغربي الحديث. إن النساء المغربيات من مختلف الأطياف الاجتماعية والسياسية عازمات أكثر من أي وقت مضى على تحسين وضعهن الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. موضوع آخر في هذا الجزء هو الهوية المغربية. ينص الدستور المغربي على أن المغرب دولة إسلامية واللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد والمغرب جزء من الأمة العربية. في واقع الأمر، فإن الهوية المغربية أكثر تعقيدًا بحيث أن المغاربة خليط من العناصر الأمازيغية والعربية ـ الإسلامية واليهودية والأوروبية. ويتناول الجزء الأخير الانتقال الديمقراطي الجديد بقيادة الملك الجديد محمد السادس. من بين أمور أخرى، تناقش الكاتبة التحديات الرئيسية التي تواجه الملكية وخاصة الحركات الإسلامية المتنامية. مرة أخرى، و جدير ذكره في هذا الصدد أن الكاتبة لم تنجح بالكامل في تحليلها فيما يتعلق بالحركات الإسلامية في المغرب. يبدو أن مارفن هاو تربط جميع الأحزاب والجمعيات القائمة على الفكر الإسلامي بالعنف بينما الإسلاميون المعتدلون أنفسهم كانوا أول من أدان جميع أشكال العنف بعد هجمات الدار البيضاء عام 2003. تستنتج مارفن هاو في فصلها الأخير أن المملكة المغربية تتواجد في تقاطع طرق. وتتوقعت سيناريو كئيب مفاده أن الحركة الإسلامية ستفوز بشكل كبير في الانتخابات البرلمانية في العام 2007. ولقد كانت صائبة في توقعا بأن فاز الحزب الاسلامي العدالة والتنمية لكنها لم تكن صائبه من حيث كآبة هذه النتائج. ومرة أخرى، في هذا الكتاب ، يتم إبراز جميع الحركات والجمعيات ذات الطابع الإسلامي على أنها نقيض للقيم الديمقراطية، وهو في الواقع ليس كذلك.
لكن و بالرغم من بعض النقائص هنا وهناك، يبقى هذا العمل الفريد والشامل حول المغرب، محاولة جدية لشرح سبب أهمية المغرب بالنظر إلى موقعه الاستراتيجي بين إفريقيا وأوروبا. بالإضافة إلى ذلك، فإن أمريكا تعتبر المغرب في السنوات الأخيرة حجر الزاوية في أفريقيا والعالم العربي لتعزيز الديمقراطية الغربية الليبرالية، كما تراه حليفا مخلصا في مكافحة الإرهاب. من خلال هذه الدراسة التي تعتبر حصيلة عدة سنوات من الاقامة في المغرب و عرضها الشامل للوضع التاريخي والاجتماعي والاقتصادي للمغرب، أنتجت مارفين هاوعملاً قيماً لا غنى عنه لكل المهتمين بهذه الدولة العربية الإسلامية والأفريقية.