د. كمال الدين رحموني
يُراد للذاكرة الجماعية أن تتدرب على النسيان، وتُتَبادَلُ الأدوارُ لتنطمس الثوابتُ، علَّها تصبح في خبر كان، وتُبذَل الجهودُ المضنية لإقناع الذات بأمرِ واقعِ الزمان، والاطمئنانِ إلى ما يقرره أهلُ الشأن، فليس” في الإمكان أبدع مما كان”. ومن ذا الذي يجرؤ على مناطحة العتاة، ومقاومة الغزاة، ومناكفة البُغاة، في زمنٍ، الكلُّ يسبِّح بحمد مستكبرٍ غاشم ، ومحتلٍّ على الأرض جاثمٍ ؟ من ذا الذي يفتح فاهُ بغير ما ترضى عصاباتٌ أضحت دولةً تأمرُ فتُطاع ، وتَنهى فُيُستجاب، فيُهرَعُ بعضُ العربان إلى الاحتفاء والتبريك والتهنيء، بعد أن استغرقوا مدة في الترتيب والتمهيد. لا تُهِمُّ المقدسات، ولا تُقَدّرُ الحرمات، ولا يُؤْبه بالعهود السابقات، ولا المواثيق السالفات، ما دام الهدف: تطييبٌ لخاطر عصابات تربَّعت على ِعِرض الأمم والدويلات…. وضجّت الحناجرُ اللاهبة، حناجرُ الشعوب، وخرست الألسُن الطويلة، ألسن النخب الماكرة، وتمايزت المواقف، بين مهلّلٍ للصفقة، ومندّد بالصفعة، وتداعت الجماهير للساحات مُرسلةً رسائلَ التنديد، ورافعةً لافتات التشهير، بمن رضي لنفسه أن يُسَجّى على مسلخ القيم التي عاش بها وعليها كلُّ صاحب عقيدة راسخة، وأخلاق سامية، وأبت شرذمةٌ من القوم إلا أن تتخلّص من سراديب التآمر المذلة التي تأسر ضعاف النفوس، وتُغلّف مرضى القلوب التي جافاها الإيمان بقضية فلسطين والأقصى الشريف.
هكذا تساقط بعض حُثالات القوم على أعتاب حفدة القردة والخنازير، ورعاة البقر، لعلهم يظفرون برمق من “عطف” ورِضى”، يحذوهم أمل النجاة من مآزق الموبقات التي حبسوا
فيها أنفسهم، حتى ولو كان الثمن باهضا، ولو اقتضى الأمر الانحدارَ والتماهيَ مع عدو غاصب، ومحتل فاجر. هكذا ” يحاول” الصهاينة هذه المرة وبأيدٍ نجسةٍ من بعض بني جلدتنا، أن يقدموا للعرب صفعة تلطم وجوهَ مَنْ ظلوا يحدثوننا عن التسامح والتعايش بين الدول، وحق الشعوب في مقاومة الاحتلال.
وإذا قيل لهم تعالوا إلى مقررات الأمم وقرارات الدول، قالوا : ألم تتعلّموا السياسة بعد؟ ألم تعلموا أن السياسة أخذ وعطاء، وتنازل وسخاء؟ ثم، أين أنتم مما كنتم تتباهوْن به فتقولون: إن قضية فلسطين قضية أمة وعقيدة، فأين الأمة الآن، وكيف الحال في هذا الزمان؟ عجزت أمتكم أن تكون واحدةً كما أراد خالقُكم، وأن يكون وحدَه معبودَكم . يا حسرتى على ما فرّطتم في جنب ربكم،- وأنتم أصحاب القبلة الواحدة- ولَّيتم وجوهكم ليس شطرَ المسجد الحرام، بل شطرَ شهواتكم، ونزواتكم وأموالكم، وعروشكم، فكنتم من الضعف والهوان، وجئنا “نكافئكم” بمشروع، سميناه “صفقة القرن”، والحقيقة هي صفعة على وجوهكم الكالحة، ووَكْزةٌ في صدوركم الضيقة، لاجتثاث كل ما تنهض به الهمة، وتسمو به النخوة، وتُنالُ به العزة، التي جعلها خالقكم للمؤمنين حين قال: ” وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ”. وطبيعيٌّ حين تغيب العزة، تغشى النفوسَ الذّلة، “ومن يُهِن اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ”.
قبل عشرة أشهر ، في شهر رجب كتبت مقالا، عنونته بــ” ذكرى الإسراء والمعراج، وصفقة القرن: أية علاقة؟” أشرت فيه إلى بعض متعلقات الصفقة الخطيرة، ومنها اختصار فلسطين في قضية شعب، في حين أن العقيدة تقول: إنها قضية أمة، وشتان ما بين المفهومين. وأخطر ما فيها أيضا- الاعتراف بــــ” إسرائيل” وطنا قوميا لليهود، أو ما يُعرف بيهودية الدولة، وهو ما يعني إلباس القضية لبوسَ الدين من منظور اليهود، على خلاف بعض المسلمين الذين يصرون على اعتبارها قضية سياسية. هي صفقة بئيسة، ظلت تتحيّن الفرص قبل الإعلان، ومع ذلك تبقى صفقة جزء من أقلية رسمية، في مقابل ضمير شعبي عريض، يُصرّ على اللَّفْظ والرَّفض، بل ويعتبر الانخراط فيها خيانة للدين والوطن والأمة. “صفقة القرن” مشروع بخلفيات ماكرة، تبغي التمرُّد على المراد الإلهي في اعتبار الأرض المباركة أرضا مقدسة للأمة. والمعنى أن القبول والرضى بهذه الصفقة، قبل أن يكون خضوعا “سياسيا”، فهو مناقضة للعقيدة، وتنكُّرٌ للدين.
كلام عاطفي بامتياز وغير ممنهج….لقد اقحمت الدين في السياسة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هل ممكن البريد الالكتروني للدكتور كمال الدين الرحموني وجزاكم الله خيرا