تحرير: رضوان مبشور
بين هوايات الملك محمد السادس و هوايات والده الراحل مسافات بعيدة، فإذا كان الحسن الثاني عاشقا للموسيقى الكلاسيكية و لعب رياضة الكولف و مشاهدة مباريات كرة القدم، إلى درجة أنه أسس ناديا مع فجر الاستقلال و أطلق عليه “الجيش الملكي”، كان يضع له خططه التقنية و يمكن أن يتدخل وسط المباراة ليغير لاعبا لم يعجبه أو عكر مزاجه بسبب تضييعه لفرصة سانحة للتسجيل، فالملك محمد السادس عكسه تماما، و هو من أعلنها مباشرة بعد توليه الحكم عندما نطق قولته الشهيرة “أنا أنا وهو هو”، و لم يكن يقصد فقط أنه يختلف عن والده جدريا في سياسته في الحكم، و إنما بأنه مختلف عنه في كل شيء، حتى في طريقة خطبه ولباسه وهواياته وحاشيته، لذلك كان الملك الشاب مدمنا على ممارسة الرياضات المائية بعدد من شواطئ المملكة، إضافة إلى صيد الأسماك بالسواحل الشمالية، لكن من بين أبرز هواياته بلا منازع رياضة القنص، ومن باب الصدف أن الهواية نفسها يتقاسمها مع والده.
محمد السادس و القنص.. قصة ارتباط
طيلة السنوات الأخيرة لا يمكن للعين أن تخطئ في صباحات نهاية الأسبوع، من شهر أكتوبر إلى فبراير من كل سنة، و هو التاريخ الذي يصادف موسم القنص في المغرب بحسب قوانين المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر، موكبا صغيرا للملك محمد السادس يتنقل من إقامته الخاصة الجديد بمدينة سلا صوب مدينة بوزنيقة أو عين عودة أو غابة زعير، أو من قصره الفاخر بمدينة مراكش إلى بعض جبال منطقة الحوز، أو من قصره بفاس إلى جبال إفران.
ليس خفيا أن الملك محمد السادس مدمن يعشق الغابة، و يمارس رياضة القنص، يعرف أدق التفاصيل عن عالمها الغريب، أكثر من ذلك فهو يحفظ أسماء الأماكن التي تزخر بمختلف أنواع الطرائد، سواء في المحميات الواقعة بجبال الأطلس الكبير بدائرة أيت ورير ضواحي مدينة مراكش، أو في جبال إفرن، أو في غابات خنيفرة ذات التضاريس الوعرة، أو في محمية بوزنيقة و غابات منطقة زعير و عين عودة.
يتداول المهتمون حكايات عمن اعتادوا مرافقة الملك في رحلات الصيد أنه في كل مرة يكتشفون أن الملك محمد السادس رجل عاشق متيم بالغابة و القنص حد النخاع، و يتمنى أن يقضي أوقاتا أكبر مطاردا الخنازير و الغزلان ومختلف أنواع الطرائد.
غير أن الملك محمد السادس في كل مرة يحل فيها موسم القنص، و يعود إلى ممارسة هوايته المفضلة، يؤكد لمن يرافقه أن عالم الغابة ليس هو بندقية و طرائد فقط، لكنه أكبر من ذلك بكثير، إنها الرياضة/الهواية التي تفتح أمام صاحبها تجربة الانتظار، و الصبر الطويل، و التسديد الدقيق نحو الهدف، و اتخاذ القرار الصحيح في رمشة عين. و هي نفسها الصفات التي يجب أن يتصف بها من كتبت عليه الأقدار أن يمتهن مهنة “ملك”.
يتحرك الموكب الملكي صباحا حينما يقرر الملك أن يخصص جزءا من يومه للقنص، و في السنوات الأخيرة أصبح يفضل بشكل أكبر أن يتوجه لمحمية بوزنيقة، بحكم أنه أصبح يختار غالبا الاقامة في إقامته الخاصة بمدينة سلا، كما يتوجه أيضا إلى عين عودة و غابات زعير القريبة من العاصمة الرباط. غير أنه لما كان ملكا شابا في بداية حكمه كان يتجول بشكل أكبر بين المدن المغربية ليشرف بنفسه على تدشين الأوراش التنموية التي كان يطلقها في كل مكان، فعندما كان يقرر الاقامة لبضعة أيام في قصره في فاس كان يفضل أن يمارس هوايته المفضلة بجبال مدينة إفران المكسوة بالأشجار و الغنية بالطرائد و خاصة طائر الحجل، و عندما كان يقيم في قصره بمدينة مراكش، كان يتوجه لمحمية “إيكروكة”، وهناك يصطاد الأرانب و الخنزير، أما عندما يبقى في الرباط و سلا فيختار أن يتوجه للقنص في محمية بوزنيقة أو في غابات منطقة زعير و عين عودة، الغنية بطائر الحجل و الأرانب البرية و الخنزير البري.
أما عندما يقيم لأسابيع و أشهر في مدن الشمال، فهواية الصيد عند الملك تتحول من صيد الغزلان و الطيور و الأرانب و الخنازير إلى صيد أسماك “الباجو روايال” أو سمك “الميرو”، و هي من الأسماك التي يصطادها باستمرار في البحر الأبيض المتوسط، خاصة في مدينة المضيق، أو “الرينكون” كما تسميها ساكنة مدن الشمال.
يوم مع الملك في رحلة قنص
عندما يرغب الملك في التوجه لرحلة قنص، فيومه يبدأ باكرا، و قد يبدأ مع الساعة العاشرة صباحا، و في غالب الأحيان ما يكون يوم عمل، و في أحايين أخرى يصادف عطل نهاية الأسبوع، حيث يبدأ الملك يومه بالإطلاع على أحوال الطقس لمعرفة التفاصيل الدقيقة للأرصاد الجوية، ففي هذه النقطة بالذات يحب التدقيق، هل سيكون اليوم ممطرا أو غائما أو مشمسا، خاصة و أن موسم القنص الذي يمتد من شهر أكتوبر إلى شهر فبراير، يصادف فصل الشتاء، الذي عادة ما يكون باردا و ممطرا، في مختلف المناطق و المحميات التي يختارها الملك لممارسة واحدة من هواياته المفضلة.
بحسب مصادر لـ “الأيام” فآخر يوم خرج فيه الملك هذا العام في رحلة قنص، هو يوم الأحد 6 أكتوبر الماضي، كان ذلك في محمية بوزنيقة الغير بعيدة عن العاصمة الرباط، حيث وصل إليها في منتصف النهار، و كان مرفوقا ببعض المقربين منه، وهناك قضوا بضع ساعات من القنص، علما أن ذلك اليوم يصادف اليوم نفسه الذي أعلنت فيه المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر عن الافتتاح الرسمي لموسم القنص 2019 – 2020 بالنسبة لجميع أنواع الطرائد، وذلك تبعا لاجتماع المجلس الأعلى للقنص الذي عقد في شهر يوليوز الماضي. علما أن الملك، بحسب مصادر الجريدة، يكون حريصا أيما حرص على احترام المدة الزمنية المخصصة لموسم القنص.
فعادة لا يكون الملك وحده في رحلات الصيد، إنما يرافقه مجموعة من المقربين منه، فمن المؤكد أن الصيد مع الملك يكتسي طابع المتعة الشخصية، بالرغم من طبيعة اللحظة و هيبة الموقف، حيث تتعالى أصوات البنادق و الرصاص في كل مكان، و هي الأصوات التي تختلط بأصوات “الحياحة” وصدى الجبال، كل هذه الأشياء تجعل من الصيد ممارسة لهواية ممتعة، خاصة عندما يرى الصياد الطريدة و هي تمر أمامه أو محلقة في الأعالي فيصوب بندقيته و يسدد بدقة.
غير أن الصيد مع الملك لم يكن يمر بشكل “أخرس”، لكن الملك يصطحب معه ضيوفه و بعض مستشاريه و قد يمتد الأمر لبعض الوزراء و المقربين و العائلة، و بالتالي تتحول رحلة القنص إلى ورشة عمل، حيث يتم تبادل الأفكار و الآراء و حل مشاكل البلاد و العباد.
القنص رياضة القتل من اجل المتعة والتدريب على الرمي واستعمال السلاح هي جريمة في حق مخلوقات خلقها الله بروح منه وبصط لها رزقها ككل الكائنات تحولت بفعل جشع النفس البشرية الى رياض ومتعة بعد ان كانت قبل ظهور الزراعة موردا للعيش والبقاء كما هو في طبيعة الوحوش