بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
أحدثكم اليوم بإذن الله عن أمرٍ عظيم من أمور الإسلام، أمر حثّ عليه الله سبحانه في كتابه العزيز وأرشد إليه رسولنا
الكريم صلى الله عليه وسلم في الكثير من أحاديثه.
إنه مبدأ التكافل الاجتماعي، مبدأ تفقّد المسلمين بعضهم لبعض، وخاصة في هذه الأيام الباركة، أيام عشر ذي الحجة.
إنها أيام عظيمة، أيام تدخل علينا بالرحمات والبركات.
التكافل الاجتماعي مبدأ إعانة المسلمين بعضهم بعضًا، هذا المبدأ الذي كان من المفترض أن يتعامل به المسلم مع أخيه المسلم مهما ابتعدت بينهما الأجناس والأرحام أصبح مع الأسف غائبًا حتى بين من تربطهم الرحم والقرابة؛ فلا يدري بعضهم عن بعض شيئًا، بل قد ترى إنسانًا يكاد يتفجر من الغنى والأموال وأقرب الناس إليه تحت خط الفقر ولا يشعر
نحوه بشيء، فالله المستعان.
ويتمثل التكافل الاجتماعي في التعاون بين المسلمين وتناصحهم وموالاة بعضهم لبعض، ويتمثل في مساعدة الفقراء والمساكين والمحتاجين والأرامل واليتامى، بأن يساهم المسلمون في توفير حاجاتهم وتخفيف معاناتهم.
– قال تعالى في سورة التوبة: ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم).
ولقد أمرنا الله سبحانه في الكثير من آيات كتابه بهذا المبدأ العظيم مبدأ التكافل، وحثنا على الإحسان إلى كل محتاج.
قال تعالى في سورة البقرة: ( ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبييين وآت المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب )
إلى غير ذلك من الآيات التي توجهنا إلى هذا المبدأ العظيم وهذا الخلق الكريم الذي يحفظ كيان المجتمع وكرامة أفراده.
وحث أيضًا رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الأمر المهم، وكان أولَ العاملين به، فهو القائل صلى الله عليه وسلم
( المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يُسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة).
فهذا حث أن يقف المسلم بجانب أخيه المسلم إذا احتاج إليه، وله في ذلك الجزاء الحسن من رب العالمين.
وهذا تحريك لشعور المسلمين وأحاسيسهم حتى يتضامنوا ويتعاونوا على البر والتقوى، وحتى يحس من عنده شيء من
فضل الله بمعاناة وشعور من ليس عنده فيعطيه مما عنده.
وفي هذا الحديث الحث على الصدقة والجود والمواساة والإحسان إلى الرفقة والاعتناء بمصالح الأصحاب، وأمر كبير القوم والأصحاب، أصحابه بمواساة المحتاج.
ولا يكتفي صلى الله عليه وسلم بهذا، بل يصور لنا المجتمع الإسلامي الحقيقي المتكافل المتكاتف تصويرًا جميلاً غايةً في التماسك، فيشبهه بالجسد الواحد الذي يربط أعضاءه نسيج واحد، فلا يصاب فيه عضوٌ إلا أحست به سائر الأعضاء وتأثرت بسبب النسيج الذي يربط بينهم.
روى مسلم في صحيحه عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.”
فالمسلمون أيضًا لهم نسيج يربط بينهم ويجعلهم يحسون بمعاناة بعضهم، هذا النسيج هو وحدة العقيدة وآصرةُ الأخوة في الله سبحانه، فلا يمكن بحال من الأحوال أن يجمع بيننا هذا النسيج ثم لا يحس بعضنا بمعاناة بعض، ولا يسعى بعضنا إلى مساعدة بعض، لا يمكن أن يكون هذا إلا إذا كان في أنفسنا خلل والعياذ بالله.
ولقد أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على من يتصفون بخلق التكافل ويحققون مبدأه ويحرصون عليه، أثنى عليهم صلى الله عليه وسلم واعتبر نفسه منهم وهم منه، وهؤلاء هم الأشعريون قوم أبي موسى الأشعري الصحابي الجليل رضي الله عنه.
روى الشيخان عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” إن الأشعريين إذا أرملوا- أي: إذا قارب زادهم على النفاد- في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني وأنا منهم”.
فانظروا إلى هذا التوحد في إحساس هؤلاء القوم ببعضهم، حتى صار من يملك شيئًا يقتسمه مع من لا يملك بكامل الرضا والسماحة، وانظروا إلى الشرف العظيم الذي نالوه بهذا الصنيع، وأي شرف أكبر من أن يقول عنهم رسول الله صلى الله
عليه وسلم” فهم مني وأنا منهم”.
هذه أهمية هذا الأمر العظيم ومنزلته من ديننا الحنيف، فلا بد أن نعطي هذا الأمر حقّه، ولا بد أن نسعى في أن نكون متكافلين متعاونين في ظل تعاليم ديننا.
أما عن ثواب هذا التكافل فإنه ثواب عظيم في الدنيا والآخرة، فلقد عدّه رسول الله كالجهاد في سبيل الله الذي هو ذروة سنام
الإسلام، يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ” الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله “.
فهل نعجز عن تحصيل ثواب هذا الجهاد بمثل هذا العمل الذي قد يكون أيسر على كثير منا من الجهاد بالنفس؟.
بل ويرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المبدأ ويشجع عليه حتى يجعل من يقوم بهذا الواجب الإسلامي العظيم رفيقًا
له في الجنة، فيقول فيما رواه البخاري من حديث سهل بن سعد: ” أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا” وأشار بالسبابة والوسطى وفرّج بينهما.
يم فمن ذا الذي يرغب عن مصاحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة؟! ومن ذا الذي يزهد في هذا الفضل العظيم؟.
هذا هو التكافل الاجتماعي الذي نادى به الإسلام قبل أن تنادي به النظريات الاجتماعية الوضعية، وحثّ أتباعه عليه، وكان صلى الله عليه وسلم قدوةَ الناس في هذا، شاعرًا بمعاناة المسلمين، يعيشها معهم بكل جوارحه، ولم يكن محجوبًا عنهم متعاليًا عليهم، كان يجوع إذا جاعوا، ويأكل إذا أكلوا، بل قد يأكلون ولا يأكل صلى الله عليه وسلم، كل ذلك ليعلم الأمة أهمية أن يشعر بعضهم بهموم بعض، وأن يساعد بعضهم بعضًا.
فاسعوا في هذا السبيل العظيم الموصل إلى مرضاة رب العالمين، ولا يدفعنكم التكاثر في الأموال والأولاد والتسابق على الاستزادة من متاع الحياة الدنيا إلى نسيان الفقراء واليتامى والأرامل والمعوزين، فقد يكون هذا التكاثر في الأموال وبالاً
عليكم في الآخرة، عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” الأكثرون هم الأسفلون يوم القيامة إلا من قال بالمال هكذا وهكذا أو كسبه من طيب. أخرجه ابن ماجة.
يبين صلى الله عليه وسلم أن الأكثرين الذين يملكون الأموال في هذه الحياة الدنيا ويتكاثرون فيها سيكونون أقل الناس حظًا وفوزًا يوم القيامة إلا من كسَبَ أمواله من حلال وقال بالمال هكذا وهكذا أي: أنفق من هذا المال في سُبل الخير وفي مصالح المسلمين وفي مساعدة الفقراء والمساكين والأرامل واليتامى والمحتاجين، فمن فعل هذا كان المال بالنسبة له نعمةً ينال ثمرتها يوم القيامة.
كما تعلمون أيها الاخوة والأخوات أن مجموعة من الأسر تعيش خلال الأسابيع التي تسبق عيد الأضحى من كل سنة، حالة استنفار قصوى من أجل توفير قسط من المال لشراء أضحية تناسب أوضاعها المادية والاجتماعية؛ فيما تقف عائلات أخرى عاجزة كليا عن شراء أرخص ما يُمكن تقديمه قربانا لله بمناسبة عيد الأضحى.
وفي الوقت الذي تتحمل الأسر المعوزة مختلف أشكال الضغوط الممارسة من لدن أطفالها، تتدخل بعض الجمعيات النشيطة في مجال التكافل الاجتماعي من أجل توفير أضاحي العيد لأكبر عدد من الأسر الفقيرة بهذه المدينة وفي مدن أخرى، بحسب ما استطاعت كل جمعية توفيره من موارد مالية، حتى تتمكن من إدخال الفرحة على المستهدفين من مبادرتها الإنسانية.
وأشكر من هذا المنبر الجمعيات الخيرية والمحسنين والمحسنات وكل من ساهم ويساهم في مبادرة توزيع الأضاحي على الفئة المعوزة، إنها مبادرة طيبة.
يجب على كل من ساهم في هذه المبادرة أن يخلص عمله لله عز وجل، فلا يتوجه وجهة إلا ونصب عينيه هدف وغاية تؤدي إلى الله سبحانه وتعالى.
لكن جرت في أودية اليوم مياه كثيرة خلخلت بعض المفاهيم، انتقل من محراب العبادة إلى الأستديوهات وأمام شاشات الكاميرا وتحول مفهومه التقي النقي الخفي إلى تراث كان في زمن ما قبل الصورة والكاميرا.
هناك من يريد بعمله وجه الله تعالى، وهناك من يريد الشهرة، إياك أخي، إياك أختي الشهرة، في زمن الشهر.
إذا كانت نية العبد أن ينال الشهرة عند الناس فهذا عمل باطل هذا يعذب بعمله، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه البخاري ومسلم ” أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة، عالم ومجاهد ومنفق”.
فاتقوا الله عباد الله، وتعاونوا وتآزروا وتناصحوا، ولا يقل كل واحد منا: نفسي نفسي؛ لأنه لا غنى لمسلمٍ عن إخوانه
أسأل الله أن يوفقنا إلى العمل بمرضاته، وأن يجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر.
ان فقر ولم اسظظع شراء العيد وعند تلات اظفل والله علي ماقول شهد هاتف 0655267662