أكدت نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي، التي انتهت أمس في الدول الأوروبية، أغلب التوقعات التي سبقتها. النتائج النهائية تشير إلى صعود اليمين المتطرف، ولو بأقل مما كان منتظرا. ورغم انتعاش الاشتراكيين في بعض الدول الأوروبية ـ كنموذج إسبانيا التي حصل فيها الحزب الاشتراكي العمالي على فوز ساحق بـ20 مقعدا، ضعف التي حصل عليها غريمه الحزب الشعبي ـ سجل اليمين الأوروبي والاشتراكيون تراجعا كبيرا، كما سجل حزب الرئيس الفرنسي ماكرون هزيمة مدوية أمام حزب الجبهة الوطنية بزعامة لوبن، مع عودة قوية لليمين المتطرف البريطاني والبولوني والإيطالي الذي احتضن زعيمه سالفيني في ميلان اجتماعا لأحزاب اليمين المتطرف أعلنت فيه تأسيسها للحركة الأوروبية للأوطان والحريات، وانتظامها لأول مرة في كتلة مستقلة تحت اسم “كتلة التحالف الأوروبي للشعوب والأوطان” (172مقعد) AEPN، والتزام التنسيق في تفعيل برنامجها الهادف إلى تفكيك الاتحاد الأوروبي واستعادة الدول الأعضاء لصلاحياتها السياسية والقضائية والسيطرة على حدودها الوطنية..
فقدان تحالف وسط اليمين الشعبي الأوروبي والاشتراكيين للأغلبية المطلقة التي كان يتمتع بها خلال 40 سنة تجبره على تحالفات معقدة مع مجموعة الخضر واللبراليين وحزب ماكرون “الجمهورية إلى الأمام” لمواجهة فيتو اليمين المتطرف في أهم القرارات، بما فيها اقتراح والمصادقة على رئيس الاتحاد كما ينص على ذلك الفصل 17.7 من اتفاقية لشبونة، وكذلك الأمر بالنسبة لـ 28 مستشارا (وزراء الاتحاد) وباقي مواقع القرار الحساسة، كرئاسة البنك الأوروبي (BCE).
رغم أن اليمين الأوروبي المتطرف لم يتمكن حتى الآن من البروز ككتلة أوروبية منسجمة ومتناسقة، باستثناء التقائها في الخطاب العنصري والكراهية وإعلان العداء للمهاجرين والأقليات الدينية وغيرها، ورغم أنه يفتقر حتى الآن إلى برنامج اقتصادي واجتماعي واضح وبديل للذي تقترحه باقي الكتل، إلا أنه أصبح بهذه النتائج رقما فاعلا في معادلة استقرار الاتحاد ومتابعة مشروع الوحدة السياسية، كما أصبح تأثيره يطال السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي في علاقتها بالجوار، سواء مع شرق أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية كحليف إستراتيجي.
كذلك ستكون لهذه النتائج تداعيات ـ ولو بشكل محدود ـ على علاقة الاتحاد الأوروبي بالدول التي تربطها بالاتحاد اتفاقيات شراكة متقدمة، كما هو الحال بالنسبة للمغرب.. هذا الأخير سيواجه مستقبلا صعوبات في تجديد مجموعة من الاتفاقيات، كالمتعلقة بالصيد البحري وامتيازات التبادل التجاري والفلاحة وغيرها، دون لأن يؤثر ذلك على التعاون الأمني ومحاربة الهجرة السرية والإرهاب والإجرام الدولي..
ثلاث ملاحظات أساسية:
ـ نهاية القطبية والأغلبيات المطلقة تصل إلى البرلمان الأوروبي بعد أن شملت كل دول الاتحاد تقريبا.
ـ صعود اليمين المتطرف بوتيرة متفاوتة في دول الاتحاد وبنِسب أقل من المتوقعة في معاقلها التاريخية.
ـ تغيير محتمل ومحدود في أولويات السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي في علاقتها بالولايات المتحدة وبدول الجنوب وبالنزاع في الشرق الأوسط.