اعتادت فئة من المحتاجين المغاربة كل حلول لشهر رمضان المعظم على ما باتت تسمّى “قفة رمضان”، وهي عبارة عن مبادرة تنظمها عادة مؤسسة محمد الخامس للتضامن، بدعم من وزارتي الداخلية (المديرية العامة للجماعات المحلية) والأوقاف والشؤون الإسلامية. ورغم البعد التضامني والموقف الإنساني الذي تُعَنوَن به المبادرة في ظاهرها، فإنها ليست بمنأى عن انتقادات الكثيرين من النشطاء الحقوقيين والمدنيين، وكذا من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي عن طريق شبكة الإنترنت.
مجمل الانتقادات شملت على وجه الخصوص الطريقة التي يتم بها إيصال المعونة إلى طالبيها؛ إذ يجد المُعوِز والعفيف منهم حرجا في الاصطفاف في طوابير طويلة قبل استلامه قفّة تحوي طرودا لمواد استهلاكية غذائية تكاد لا تسد حاجيات المُحتاج لمدة أسبوع واحد، ما يجعل الكثيرين يرونها قفة إهانة قبل أن تكون إعانة.
من أعطاب تدبير هذه المبادرة نذكر كذلك عدم وضوح الضمانات التي تُلزم المكلّف بإيصال المعونة إلى مستحقيها وآلية متابعة العملية ونزاهة طريقة التوزيع، خصوصا في المناطق النائية من المملكة. كما أن شروط التخزين والحفاظ على المواد الغذائية من الإتلاف واحترام مدة صلاحيتها كلها معطيات تليها علامة استفهام وغموض في ضماناتها؛ علاوة على التكلفة التي تتطلبها الموارد البشرية للمنظمين وتكليف المُموّن ومتطلبات التنسيق بين المؤسسة المنظِّمة والوزارتين الداعمتين؛ وهي تكاليف يمكن خفضها إذا ما تم التفكير في بديل لطريقة توزيع المؤونة في شكلها الحالي.
أما المبادرة في حد ذاتها فقد ترقى إلى عمل سام وموقف إنساني أكثر تضامنا وفعالية إذا ما تم تدبيرها بشكل يحفظ للمحتاج كرامته ويضمن وصول المساعدة بنزاهة وبكيفية تتوافق وحاجيات المستفيد، حسب المتطلبات الفردية؛ إذ ليس الكل في حاجة إلى زيت المائدة أو قالب سكر.
ولعلّ أنجع الحلول كبديل للقفة الرمضانية هو إلغاء هذه الأخيرة وتعويضها بمبلغ مالي متفاوت حسب الحالة الأسرية للفئات الاجتماعية الأكثر هشاشة، لاسيما النساء الأرامل والأشخاص المسنون وذوو الاحتياجات الخاصة.
ويمكن للمِنح المالية أن تُصرف لصالح المستفيد عن طريق حوالة بريدية باعتبار الغالبية يتعذر عليهم الحصول على حسابات بنكية أو بريدية جارية. بديلٌ من شأنه أن يرفع الحرج عن المحتاج ويضمن كرامته، ويحدّ من مشاكل تخزين المادة الغذائية، كما يمكنه أن يُتيح للمستفيد مجالا واسعا في التصرف في المنحة المخصصة حسب الحاجة، عوض أن يظل مُلزما بمحتوى قُفة قد لا توافق متطلباته من مواد استهلاكية غذائية.
أما من ناحية الشفافية وضمان صواب تدبير المِنح المحدّدة، فإن الحلّ البديل لقفة رمضان سيُسهّل مراقبة حركة التحويلات المالية في أي اتجاه تَمّ تحويلها ولصالح من صُرفت.
ختاما، وإذا ما نظرنا إلى الغلاف المالي الذي رُصد لهذه العملية التضامنية، وحسب ما ذكرته بعض وسائل الإعلام الوطنية، والذي تبلغ قيمته تقريبا 70.3 ملايين درهم، موزعة على أكثر من 2.5 مليون فرد ينتمون إلى 500 ألف و300 أسرة، أي ما يعادل 150 درهما على الأكثر للأسرة الواحدة، فإنه يظل مبلغا هزيلا جدا، لا يرقى إلى سداد حاجيات المعوزين وما يتطلبه هذا الشهر المعظم من زيادة في المصاريف مقارنة بالأشهر الأخرى من السنة. لهذا وجبت إعادة النظر في قيمة الغلاف المالي المخصص للعملية بتحديد مصادر الدعم، ولما لا تشجيع مساهمات الشركات الاقتصادية الكبرى والمساهمات التطوعية في تمويل هذه المبادرة التضامنية، تحت الإشراف المباشر للمؤسسة المعنية، أي مؤسسة محمد الخامس للتضامن، وبدعم من السلطات الرسمية.
*أكاديمي خبير مقيم بألمانيا