زايوسيتي/ سعيد قدوري
نعيش هذه الأيام بمدينة زايو على وقع قضية استأثرت بحديث عامة الناس بالمنطقة، والمتمثلة في طرد شيخ تسعيني من أرض ورثها عن أجداده، بمقابل منحها لكولونيل دركي لا تربطه بالمنطقة أية علاقة قرابة، كما لا تربطه بالفلاحة أية صلة، فيما الأرض فلاحية بامتياز.
هذه القضية التي ترى فيها ساكنة زايو عودة لأسلوب “الحكرة”، تكاد لا تغادر مخيلة الناس هنا، بل أدخلت الخوف في النفوس، كون الوضعية العقارية لعموم تراب المنطقة تشوبه الكثير من الاختلالات التي لم يتم تصحيحها، ما جعل نسبة كبيرة منها رهينة بين يدي مؤسسة الأملاك المخزنية، هذه الأخيرة التي فوتت للكولونيل 37 هكتار مقابل 10 دراهم.
استفادة كولونيل من 37 هكتار كانت ستكون أهون لو أعطيت له بأرض خلاء لا ملاك أصليين لها، لكن أن يكون لها ملاك ورثوها عن أجدادهم منذ 150 سنة، بل ويقطنون بها لأزيد من قرن ونصف، فمن المؤكد أنها لن تمر مرور الكرام أمام تشبث القاطنين بحقهم، لكن ما زاد الطين بلة، وما لم يستسغه عموم مواطني المنطقة؛ إخراج شيخ يبلغ من العمر 92 سنة من هذه الأرض ليعيش بالشارع.
الشيخ الذي قدم الغالي والنفيس لإخراج المستعمر الإسباني من بلادنا، تراه اليوم يحلم بشبر يحتوي الهرم الذي أصابه، حتى تحين ساعة رحيله إلى الخالق، فكان لقصته وقع الصدمة التي أغضبت كل من ينتمي لهذه البلدة.
وإذا كانت قصة الشيخ محمد ابن زايو والقاطن بها أو بالأحرى محيطها، تكاد تدمي القلوب، فإن لمحمد ابن زايو القاطن بإسبانيا قصة من نوع آخر تجعل الإنسان يحيا على رجاء في الله في حياة أفضل.
ففي الوقت الذي كان فيه الشيخ محمد بسهل صبرة يتلقى التهديدات بضرورة إفراغ مسكنه الذي ورثه عن أجداده، كان شاب آخر يقطن وسط زايو، واسمه محمد، ذو 38 سنة، متزوج وأب لطفلين، يبحث عن عمل بعد أن أغلقت في وجهه حدود الجارة الجزائر، وهو الذي اعتاد الاشتغال في الوقود المهرب عبر حدودها، وكله أمل في غذ أفضل.
وبينما الشيخ محمد يعيش داخل مسكن أجداده، اختار الشاب محمد بعد أن صَدَّتِ الدنيا في وجهه أبوابها، الذهاب إلى الجارة إسبانيا رفقة زوجته وطفليه بعد أن مُنحت لهم التأشيرة لمدة شهر، لكنه فضَّل عدم العودة للمغرب، ليبدأ قصة جديدة بشبه الجزيرة الإيبيرية.
توالت الأيام والشيخ محمد يتلقى التهديدات وأخته التي تقطن معه تعيش على خوف دائم، أما الشاب محمد فقد نفذ ما كان معه من مال، ليلتقي بعدها بأحد أبناء زايو، فأخبره أنه يعيش بالشارع رفقة زوجته وطفليه، بعد أن استنفذ ما بحوزته من مال وبعد أن انتهت مدة السماح بإقامته داخل أوروبا.
لم يستغرق الأمر أكثر من نصف ساعة حتى اهتدى صديق الشاب محمد لخطة تمكنه من إيجاد سكن يأويه ويأوي فلذتي كبده، فكان أن ذهبا إلى إحدى السكنيات بمدينة “خاين” الأندلسية والصادر في حقها حكم بالحجز لفائدة إحدى الأبناك الإسبانية، وما أكثرها بالجارة الإسبانية، ليخترقها ويسكن هناك والأمل يداعب مخيلته. كما أنه وجد عملا يسد به رمق أسرته، حيث شرع في الاشتغال في أحد حقوق العنب.
دخل الشاب محمد المسكن المحجوز بتاريخ 17 يونيو 2018، في وقت كانت فيه التهديدات تكبر في وجه الشيخ محمد بزايو، لكن تاريخ 13 شتنبر 2018 شكل علامة فاصلة في حياة الأول، حيث تم اكتشاف خرقه لسكن البنك، ليتم استقدام الحرس المدني.
جاءت القوات العمومية الإسبانية ومعها مترجم للدارجة المغربية، لتتفاجأ بوجود طفلين، أحدهما ذكر يبلغ 8 سنوات، وأخته أنثى ذات 5 سنوات، فكان أول سؤال يقدم للأب محمد؛ هل يدرس هاذين الطفلين؟ طبعا الجواب لا، فانصب لوم الشاب محمد على هذا الموضوع دون غيره، لتنشرح سريرة ابن زايو.
13 شتنبر كان فاتحة أمل لمحمد ابن زايو بإسبانيا، بينما تنفيذ حكم الإفراغ يقترب من موعده في حق محمد ابن زايو بزايو.. فالأول تم استجوابه، ليتوصل الأمن الإسباني إلى حقيقة أن محمد وزوجته وطفليه يقطنان دون موجب حق بالسكنية، بل يتواجدان فوق تراب إسبانيا بشكل غير قانوني، لكن هناك قانون وفوقه حقوق الإنسان أسمى منه.
السلطات الإسبانية شرعت في تسجيل الطفلين ليدرسا بإحدى المدارس بمدينة “خاين”، وواجهت الأب بالقول: “سنأخذ طفليك للفصل، وسنتركك تعيش في هذا المنزل ريثما نجد لك مسكنا آخر يأويك وأسرتك، لكن تذكر أنك تمكث هنا بشكل غير قانوني”.
يوم فاتح أكتوبر الحالي عادت السلطات الإسبانية لمنزل محمد، وقد تم تسجيل زوجته للاشتغال بإحدى المعامل، بينما يشتغل هو بحقول العنب، ولم يكن قدوم الأمن لإخراج ابن زايو من إسبانيا بل فقط لإخراجه من مسكن محجوز إلى مسكن آخر مكترى بمبلغ يستطيع الزوجان توفيره بسهولة كما يستجيب لشروط عيش أسرة مكونة من أربعة أشخاص. بينما الطرد من البلد لا يستقيم كون الطفلان يدرسان.
يوم الأربعاء 03 أكتوبر الجاري، توجه الشاب محمد لإحدى الإدارات الإسبانية لوضع طلب تسوية وضعية الإقامة بالجارة الإيبيرية وهو ما سيحصل عليه قريبا حسب محاميه، في مقابل ذلك، وبتاريخ 04 أكتوبر الجاري أيضا، تحل القوات العمومية المغربية بمنزل الشيخ محمد صاحب 92 سنة، لتطرده من منزله الذي ورثه عن أجداده، دون أن يتم البحث له عن مأوى يأويه.
يوم واحد إذن كان فاصلا لكتابة تاريخين مختلفين في حياة “محمدين” ينتميان لنفس المدينة لكن يقطنان في مكانين مختلفين.. فما الفرق بين محمد ابن زايو بزايو ومحمد ابن زايو بإسبانيا؟ أليست الحقوق أسمى من القوانين؟.
الفرق هو أن في اسبانيا المسؤولين يحاسبون على كل كبيرة وصغيرة اما في المغرب فلا يحسبون والأمثلة كثيرة حكومة العثماني وقعت في المحظور غير ما مرة ولكن من يحاسبها المغرب اصبح قنبلة موقوتة ناهيك عن الاحداث التي وقعت في الحسيمة و جرادة ووووو وبعدها آلاف من الشباب ماتت غرقا وهي تعبر إلى بر آخر تعتبره بر الأمان.كل هذا يقع والحكومة لم تكلف نفسها اتخاذ أي قرار شجاع حتى ولو بتقديم استقالة تشفع لها يوما .