بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان، ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
نواصل الحديث عن عقوبة اليمين الغموس في الدنيا والآخرة، اليمين الكاذبة لها آثار سيئة في الدنيا والآخرة
فاليمين الغموس تسبب الفقر، وتمحق البركة، وتذهب بالمال، ففي سنن البزار، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن
عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” اليمين الفاجرة تذهب المال أو تذهب بالمال”.
فاليمين الغموس يمين فاجرة تسبب العقم وتقطع النسل، ففي مسند أحمد عن أبي سود قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” اليمين الفاجرة التي يقتطع بها الرجل مال المسلم تعقم الرحم”.
وأن اليمين الغموس سبب ظلمة القلب حتى يلقى الله عز وجل، روى الترمذي عن عبد الله بن أنيس الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إن من أكبر الكبائر الشرك، وعقوق الوالدين، واليمين الغموس وما حلف حالف بالله يمين صبر فأدخل فيها مثل جناح بعوضة إلا جعلت نكتة في قلبه إلى يوم القيامة”.
وأن اليمين الغموس لا كفارة فيها، وهذا دليل على عظم أمرها وكبير جرمها، فقد يتوهم بعض الناس أن اليمين الغموس لها كفارة كإطعام عشرة مساكين أو صيام ثلاثة أيام أو غير ذلك، هذا فهم خاطئ واعتقاد باطل، بل اليمين الغموس لا كفارة فيها، واليمين الغموس صفة من صفات المنافقين، فالله عز وجل أخبرنا
أن أيمانهم أيمان كاذبة، جعلوا أيمانهم جنة تقي أموالهم ودماءهم، فيحلفون بالله على الكذب وهم يعلمون، قال تعالى في سورة المجادلة:
” إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعلمون”.
وقال تعالى: ” اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب أليم”.
هل لليمين الغموس من توبة؟
إن اليمين الغموس كبيرة من كبائر الذنوب، ولكنها كغيرها من سائر الذنوب إذا تاب العبد منها توبة صادقة، فإن الله تعالى يقبل توبته ويتجاوز عنه، ولكي تكون التوبة مقبولة لابد من توافر شروط الصحة فيها، وهي كما قال العلماء: الإقلاع عن الذنب في الحال، والندم على ما فات منه، وعقد العزم على عدم العود إليه ثانية، ويضاف إلى ذلك رد المظالم إلى أصحابها، ومن ذلك: إذا كانت هذه اليمين اقتطع بها حق لمسلم وجب رده إليه.
احذروا الحلف بالله عامة واليمين الغموس، اليمين الكاذبة الفاجرة خاصة ، ولا شك أن كثرة الحلف تؤدي إلى التهاون بقدر الله تعالى وبأسمائه وصفاته لإقحام لفظ الجلالة في أمور دنيوية تافهة لا تسمو لمنزلة الخالق سبحانه وتعالى، كما أن كثرة الحلف دليل على ثقة الإنسان في نفسه مما يترتب عليه فقدان ثقة الآخرين فيه.. حول هذه النقيصة.
يتدخل الشرع ليقول للإنسان إياك أن تقسم على شيء وأنت تعلم أنك كاذب لأن القسم مع العلم بالكذب سلفا يعرض صاحبه إلى خطر عظيم ومثل هذه اليمين قد لقبها الشرع بلقبين أحدهما أنها هي اليمين الفاجرة وثانيهما أنها هي اليمين الغموس لأنها تغمس صاحبها في جهنم يوم القيامة.. وهذا النوع من التشدد مكافئ تماما لمن أقسم يتعمد الكذب أما أولا فلأن صاحبها قد هانت مكانة ربه في نفسه وفي ذلك إخلال بالعقيدة وأما ثانيا فإنه بفعلته هذه قد أضاع الحقوق وزيف الواقع وفي ذلك من الأخطار الاجتماعية.
وهذا الحلف ليس من خلق المسلم الذي يخاف الله تعالى ويتقي حسابه وغضبه، فقد نهى الله تعالى المؤمنين عن أن يجعلوا اسم الله تعالى هدفًا لأيمانهم فيبتذلوه بكثرة الحلف به في كل حق وباطل فإن من شأن الذي يكثر الحلف أن تقل ثقة الناس به وبأيمانه.
إن مما يؤسف له أن كثيراً من الناس يتساهلون في أمر الأيمان، فيقدمون على الحلف متعمدين للكذب وهم لا يعرفون عواقب تلك الأيمان الكاذبة أو يعرفونها ومع ذلك يتلاعبون في الأيمان ويظنون الأمر هيناً وهو عند الله عظيم.
أحد المختصين القضائيين أوضح أن طلب حلف اليمين هو أن تجعل الله كفيلك في ما تقوله، وفي هذا معنى كبير أن تجعل الله عز وجل هو الضامن لصدقك وأنت تكذب، فأي عاقل يمكن أن يفعل ذلك، فلقد كان الصحابة رضي الله عنهم وحتى أجدادنا وإلى عهد قريب، يمتنعون عن حلف اليمين حتى لو كانوا على حق، ويتنازلون عن حقهم ومالهم حتى لا يعرضوا الله سبحانه وتعالى لأيمانهم تبجيلاً له سبحانه وتعالى وخوفاً أن يتضمن الكلام ومن دون قصد تفصيلاً ولو صغيراً بعيداً عن الصدق، أما الآن فأصبحت للناس جرأة غريبة على حلف اليمين تجعل القضاة يرهبون ما يجدونه من هذه الجرأة ويخشونه.
تراجع عن اليمين
أحد القضاة حدث أن أحدهم كان يتقاضى أمامه حول مبلغ مالي لأحد عماله قال إنه سبق ودفعه، بينما يؤكد العامل أنه وقع الاستلام لتسريع الإجراءات بينما لم يقبض شيئاً، فطلبه العامل لليمين، وقال هو: حسناً سأحلف أنا أعطيته المال، فشعر القاضي أن الرجل مستهين بحلف اليمين، وبعد أن طلب منهما الذهاب للوضوء، قال له: ضع يدك على كتاب الله وقل: “أقسم بالله الذي لا إله إلا هو المنتقم الجبار العدل أنني أعطيته ماله، وينتقم الله مني إن كنت كاذباً”، وهذه الصيغة في حلف اليمين ليست المعتمدة شرعاً والتي تنص حرفياً على جملة “أقسم بالله العظيم أنه كذا وكذا…” ولكن القاضي شعر أن الحالف كاذب وأنه يحلف مستهيناً باليمين فأراد أن يخوفه، وبالفعل ما إن سمع الرجل هذه الصيغة حتى انقبضت ملامح وجهه وسأل القاضي: كم هو المبلغ الذي يدعي به، ثم قام بتسديده في نفس الجلسة بعد أن طلب من أحد عماله موافاته به إلى المحكمة.
وفي قصة أخرى رواها أحد القضاة قال: إن أحدهم طلب لليمين من قبل شخص يخاصمه على مبلغ مالي فوافق، وكان مستهيناً باليمين جريئاً عليه، وحلفه بكل صلف وجرأة، وبعد أن خرج بلحظات سمع أمام الدائرة ضجة كبيرة، تبين فيما بعد أن هذا الرجل الذي حلف اليمين وبعد أن صعد بسيارته وقبل أن يتحرك بها جاءت شاحنة كبيرة وسارت فوق سيارته فهرسته وهو بداخلها.
محام روى قصة أحد الأشخاص الذي حلف يميناً على ملكيته لمزرعة يخاصم بها أرملة وأيتام، وفي اليوم التالي للحكم له بملكية المزرعة وجد ميتاً بعد أن سقط في إحدى حفر المزرعة.
وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهاَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )