المقاوم سيدي البشير الكبداني ..ذاكرة وتاريخ
تمهيد
مهما كانت ألأسباب لابد أن نعترف أن جزءا كبيرا من تاريخ كبدانة طاله النسيان والطمس .وإن إعادة
كتابته مسؤولية على عاتق كل من له غيرة على هذه المنطقة وعلى الوطن ككل. ولعل مقاومة المقاوم الكبداني سيدي البشير واحدة من ألأحداث التاريخية البارزة في تاريخ المقاومة المغربية التي لم توف بحظها في إهتمامات المؤرخين والباحثين. فبإستثناء بعض الملاحم البطولية التي قام بها المغاربة في جميع أنحاء وجهات الوطن، فإن مقاومة سيدي البشير في شرق المغرب لا تقل أهمية عن نظالات الشعب المغربي، إلا أنها لم تستوف بعد حقها الكامل في التدوين. ورفعا للحيف واللبس عن الذاكرة الوطنية لمنطقة كبدانة كان بودنا أن نحي هذه الملاحم والبطولات بجرة قلم لعله يكون وقفة تأمل عن تاريخ هذه الذاكرة وما تحمله من دروس وعبر في التحرر وألإنعتاق ومحاربة كل أشكال ألإستغلال والسيطرة. وعلى هذا ألأساس وبمناسبة تجدد تاريخ منطقة كبدانة يحق لنا أن نبحث عن هؤلاء المقاومين ألأبطال الذين صنعوا هذه ألأحداث التاريخية على أرض الواقع ولم يأخذ نصيبهم ورصيدهم من كتب التاريخ ولا من برامج التاريخية المتداولة في وسائل ألإعلام .
أصول المقاوم سيدي البشير
لمعرفة أصول المقاوم سيدي البشير، فهو ينتمي نسبا الى قبيلة كبدانة، هذه القبيلة التي إرتبطت بحركة مقاومة ألإحتلال ألأجنبي وخاصة ألإسباني منذ تواجده على ألأراضي المغربية، كما أنها لم تتوانى عن المساهمة الكاملة للتصدي لكل محاولات الغازي المحتل منذ بداية إستقراره بمليلية.
[..] هو البشير بن محمد بن أحمد المرابط الكبداني من جماعة المرابطين ذات ألأصلي ألإدريسي المستقرة بفرقة أولاد الحاج برأس كبدانة، المعروف اليوم برأس سيدي البشير، ضريحه بمقبرة الرأس حيث رفاة أسلافه غير بعيد عن مسجد جنادة برج كبدانة. وقد دأب أفراد أسرة سيدي البشير على رئاسة منصب الفقهاء بمسجدهم مقترنا بقيادة الجهاد ومراقبة السواحل، ولذلك سمي المكان الذي ضم المسجد بالبرج وبجنادة للدلالة على وجود مركز حراسة ساحل كبدانة الممتد من سبخة بوعرك شمالا الى مصب نهر ملوية جنوبا.
ظهر سيدي البشير بن أحمد الكبداني أثناء حصار مليلية بصفته مقدم كبدانة وجنادتها، وأصبح بعد رفع الحصار من أشد المعارضين لسياسة مهادنة ألإسبان، وإتجه نشاط جهاده الى إبعاد السفن ألإسبانية المتجولة بين مليلية ورأس كبدانة ووصولها الى جزر ملوية أو كبدانة المعروفة بالوثائق ألأجنبية بجزر الشفارين .تمكن من ألإستيلاء على سفينة غنمها من بحارة مليلية وأخرى لقرصان الجزائر أخذها بقالة كونسيتيس ويدعوه ألإسبان بالوحش الرهيب.
ونقدر أن البشير الكبداني كان العمود الفقري في حركة المعارضة نال تقدير محمد الرتبي ولم يهتم بالذعيرة التي فرضها عليه سيدي محمد بن عبد الله حينما مانع من رد السفينة الجزائرية أو بتدخلات
وفود المولى سليمان لديه وإختفت عنا أخباره حوالي سنة 1794م[1]..
– سيدي البشير بين القرصنة والمقاومة
كان المقدم البشير بن محمد الكبداني [..] يعتبر العمود الفقري في حركة المعارضة التي كان يتزعمها الى جانب مقدم مزوجة محمد بن أحمد المقدم الرتبي ومقدم بني شيكر الطالب الشكري، هؤلاء كانوا جميعا على رأس تولي حركة الجهاد ضد جنود مليلية..[2].ولكون سيدي البشير كان من أشد المعارضين لسياسة مهادنة ألإسبان في أقصى شرق المغرب، لم يكن يخفي عدائه لكل ما له صلة بألإسبان إذ كثف من عملياته الحربية ضدهم خاصة وأنه كان يعترض سفنهم الجائلة بين مليلية وجزر الشفارين عند دخولها لمياه الساحل البحري لمنطقة كبدانة، وذلك لغرض إبعاد الخطر ألأجنبي ليس عن بلدة كبدانة فحسب، بل عن كل حوز الشمال الشرقي للمغرب.
فحينما إزدادت حدة الهجمات البحرية على ألإسبان أدى هذا ألأمر الى إعداد هؤلاء ملف القرصنة للضغط على المخزن لإرغامه على أداء الضرائب والتعويضات تم التوقيع على المزيد من التنازلات
فكان ألإسبان يرون أن إعتراض سبيل سفنهم البحرية في مياه الساحل الشرقي هو عمل القراصنة أي عمل خارج عن القانون ما جعلها [..]توقع إتفاق مع المخزن في سنة 1779م ينص في فصله السابع والثلاثون عن” تقديم الحل على يد المخزن بعدم إلحاق أي خسارة بالمركب والبضائع والرجال
وإذا حدث هذا فإن ألإسبان يطالبون بالتعويض”[3].غير أن معارضي التواجد ألإسباني بالمنطقة كانوا
يرون أن الهجمات التي يشنونها على جنود السلطة ألإسبانية هي حرب مشروعة ولا يمكن بأي حال من ألأحوال تسميتها بالقرصنة بل هي جهاد بحري ضد الغازي المحتل.
وفي [..]سنة 1785م إنهالت الشكايات على البلاط المخزني لإدانة مجاهدي رباط مليلية بألإعتداء مصرحة بنكاية كل من محمد الرتبي والطالب علي الشكري والمرابط البشير الكبداني، ملحة بضرورة معاقبتهم وإيقاف نشاطهم عند حد مضمون ألإتفاق.. وكان رد سلطان محمد بن عبد الله هو إرسال أربعة وفود مخزنية الى قلعية ( ونقتصر هنا عن سرد فقط خبر الوفد ألأول)..يتألف الوفد ألأول من شخصين
لم تزد الرواية ألإسبانية عن ألأول من أنه المدعو محمد الشرقي -المرجح أنه من رجال مخزن شراكة قصبة العيون أو وجدة – وعن الثاني من أنه المسمى محمد بن عبد الكريم – المرجح أنه محمد بن عبد الكريم أراغون التطواني سفير السلطان الى إصطنبول عام 1767م-.
نزل الوفد بقلعية منذ أوائل فبراير1786/جمادى ألأول 1202 لتبليغ ألأوامر السلطانية بالمطالبة بتنفيذ إتفاق 1785م[4]، الذي ينص في إحدى بنوده التخلي بصفة نهائية عن مناوشات ألإسبان، إلا أن سكان قبيلة قلعية المحاذية لحدود مليلية كانوا يعتبرون تنفيذ بنود هذه ألإتفاقيات مع ألإسبان ماهي إلا سلوك رضوخي سيمهد لهم الطريق نحو كسب المزيد من الوقت لتوسيع الحدود ما جعل هؤلاء يعلنون العصيان مرات عديدة لأوامر سلطان محمد بن عبد الله ومولى سليمان، وبالتالي عدم تخليهم عن المقاومة أوالجهاد كما كانوا يسمونه أنذاك.
وكانت ألأسلحة الموجودة في حوزة القلعيين لازالت في مواقعهم ويعارضون تسليمها للمخزن من رغم الحاحه على ذلك، لأن هذا ألأخير كان يرى بقائها في ملكية هؤلاء من شأنه أن يهدد قرار الهدنة المتفق عليه مع ألإسبان وكانت سياسة إرسال الوفود للمنطقة هو لنفس الغرض المذكور سالفا.لهذا نجد أن عند وصول [..]وفد السلطان لعين المكان أول ما قام به هو إتصاله بحاكم مليلية للتذكير بقرار إبطال إستعمال المدفع ثم إنتقاله الى رباط مليلية وبمعيتهما قائد الحراسة محمد القيطوني( قائد من قلعية) للإشراف على نقل المدفعية الموجودة بالمكان، وتلك التي كان الرتبي قد نصبها بكدية مزوجة..وبعد مراقبة محمد الرتبي خطوات الوفد المخزني طوال نهار ذلك اليوم لم يصعب عليه خلال الليل نقل القطعة المدفعية الى مكانها برباط مليلية بمساعدة رفيقيه في الجهاد علي الشكري والبشير بن محمد الكبداني ..
وحينما قام الوفد بزيارة زعماء حركة مواصلة الجهاد الثلاثة ” الجهاد يبرر العصيان” محمد الرتبي ورفيقه الطالب الشكري وسيدي البشير الكبداني.. أجاب هؤلاء بعدم إستطاعة أي أحد أن يثنيهم عن عزمهم ومنعهم من مقاومة ألإسبان وكان رد البشير الكبداني أشد عنفا حين قال ” إنه لن يخضع لغير سلطان إرادته ولن يفعل سوى ما تمليه عليه”[5].
ويفهم من خلال جواب المقاوم سيدي البشير ، أنه كان واثق من نفسه وسيتحمل عواقب كلامه هذا.
هكذا إذن، كان سيدي البشير، رجل محارب ومقاتل شرس، مخلص وإنسان مبدئي. لقد إجتمعت فيه كل هذه ألأوصاف ليعطي صورة ممزوجة بالسمو وألإعجاب في نظرة أمم حوض البحر المتوسط إليه، وبها نال شهرة ذائعة الصيت لدى كل بحارة وربان ألأساطيل البحرية، من العثمانيين و ألإنجليز وألأمريكان وكذا الفرنسين وألإسبان وحتى عند قراصنة ذاك الزمان..
ختاما..، وبعد سرد بعض أبرزالمحطات التاريخية للبطل المقاوم سيدي البشير، الذي كان يعد من بين الشخصيات الكارزماتية بالريف الشرقي ومن ألأسماء الجهادية المغمورة التي ذكرتها العديد من الكتابات التاريخية بإسهاب، فإن شهرتها لم تتجاوز بلدة كبدانة، بل تنعدم أحيانا هذه ألأخبار حتى عند أهل الدار، ما يستوجب علينا رد ألإعتبار لهذه الشخصيات التاريخية التي كادت ومن الثابت أنها تحقق ألأهداف التي جاءت من أجلها، أي العمل على تقويض أركان ألإحتلال ألإسباني وبالتالي طرده نهائيا من البلاد. إلا أن الوفاة الغادرة وأسبابها الغامضة التي أصابت زعاماتها حالت دون حدوث ذلك في وقت مبكر.
إستعنا بالمراجع التالية
[1] المقاومة المغربية للوجود ألإسباني بمليلية(1697-1859م)- د.حسن الفكيكي ص.344-345
[2]نفس المرجع ص-342
[3]نفس المرجع ص-348
[4][5] نفس المرجع ص-349
للمزيد من المعلومات حول هذا الموضوع (بعض من المراجع أشار اليها نفس الكتاب)
رسالة لوي شنيي بتاريخ31 يوليوز 1781م.
P.grillon, la correspondance,t.2 pp.950.955
ح.الفكيكي- مادة” جنادة” معلمة المغرب –المجلد التاسع.
نورالدين شوقي باحث في التاريخ والتراث الكبداني.