بقلم : عادل شعوان
جالساوحيدا إلى الطاولة ، أقلب سيجارتي بين أصابعي ، إنها إحدى أمسيات السبت حيث يمتلئ هذا النادي المحترم بضجيج الناس. على يميني ها هو السيد “ك” ينظر تجاهي محييا إياي بابتسامة عريضة كما جرت العادة ، ليعود ليكمل حديثه عن آخر مستجدات العمل مع أصدقاءه في الشركة، ويناقشوا
بخبرة الخياط تضاريس السكريتيرة الجديدة، وكيف أن صديق “ك” الجالس بمحاذاته ، سيضحي بحياته كلها من أجل ليلة واحدة معها. على يساري كان بعض الشباب ممن كانوا يدمنون قراءة ومناقشة آخر مايوجد في الساحة الفلسفية، حتى في هذا المكان المحترم الذي لم يسلم من مناقشتهم الفكرية،
كان الطالب “س” ذو الجسم الهزيل بعيناه الكئيبتين وقبعته المترهلة فوق رأسه، لا أعلم إن كانت موضة لدى هؤلاء المثقفين أن يبدوا بهذه الحالة المزرية، يسألني بصوت مبحوح من كثرة تدخين التبغ الرخيص عن رأي هذه المرة في رمزية رواية “التحول” لكافكا؟، وقد كان جوابي دائما
واحدا على إختلاف أسئلته: ” عليك أن تأكل يابني فقد أوشكت على الذبول “، ليشيح وجهه ككل مرة خائبا، ليعود ليكمل مع أصدقاءه من حيث وقفوا. في أقصى الشمال كان الجندي السابق الذي حاول مرارا الإنتحار لكنه لطالما تراجع عند الخطوة الأخيرة، يروي للكراسي ؛ فقد حفظ كل رواد
الناد قصصه عن بطولاته وكيف أنه حمل صندوق الذخيرة في الجبال لعدة كيلومترات، وعن قتله لعدد لا يحصى من الأعداء، والآن ينهض للمغادرة لكنه يسقط من فرط السكر، سرعان ما يهب إليه النادل الشاب والذي بالمناسبة نسي الليلة أن يطلب مني كتابة رسالة أخرى لحبيبته، والتي لاأعلم
هل سقطت في شراكه أم في مجازاتي الكاذبة في الرسائل، ينهضه ويحاول إيصاله إلى الباب لكن الجندي سرعان ما يدفعه ويصرخ في وجهه: “إبتعد عني أيها الحقير ، لا أحد يساعدني ، تبا لكم أيه الجيل المخنث، ألا تعرفني؟”، ليكرر على النادل قصصه البطولية وعندما انتهى بصق على
الأرض ، وصاح بصوت عالي: “فلتذهبوا للجحيم”، كالعادة لم يسمعه أحد غيري والنادل المسكين الذي أوصله الآن إلى الخارج. إنها الواحدة بعد منتصف الليل، غرقت في صمتي وأنا أجدد شعلة الحياة لسيجارتي، ولازلت أتساءل: لماذا يصر هؤلاء الحمقى على تدنيس هذا الناد المحترم بتفهاتهم