إن ملف قضية الأقليات الإسلامية ملف مؤلم، إلا أننا لا نملك إلا الاستمرار في فتحه وتسجيل كل ما يصل إلى مسامعنا أو يقع تحت أيدينا حوله. ففي وقتنا الحاضر في عصر الفضائيات، لا يستطيع المسلم أن يهرب من أنباء الاضطهاد والمذابح والقهر والتعذيب التي تتعرض لها الأقليات الإسلامية في شتى أنحاء العالم.
فهيا بنا اليوم عبر قارب الحلقة 12 من سلسلة “مسلمون منسيون”، لنحط الرحال بأوروبا حيث دولة بلغاريا، لنتعرف على أحوال الأقلية المسلمة هناك، والتي عاشت أحد أحلك المحن التي كابدها شعب مسلم على وجه الأرض.
يبلغ عدد سكان بلغاريا حوالي 8 ملايين نسمة، منهم حوالي مليونين ونصف مسلم، وبها قرابة 750 مسجدا ومثلهم مدارس وهناك المركز الإسلامي ودار الإفتاء ومؤسسة النور الإسلامية وكذلك مؤسسة الدعوة والتبليغ، إلى جانب المعهد العالي للدراسات الإسلامية.
اعتنق البلغار الإسلام في القرن الثالث الهجري أي التاسع الميلادي، بعدما تم القضاء على دولة “الخزر” اليهودية سنة 825م، لينتشر الإسلام في بلاد الخزر وبلاد البلغار وما يجاورها، في عهد الخليفة العباسي المقتدر بالله. حيث أصبحت بلغاريا دولة إسلامية بإسلام ملكها آنذاك ودخول أتباعه في الدين المحمدي.
وبعد توليه الملك في بلغاريا، اعتنق الملك “سيمون” الدين النصراني، وقاد حملة للتنصير في بلاده، وسار أحفاده على طريقه، ليصبح الدين المسيحي دينا رسميا للدولة سنة 865م.
بقي الحال هكذا حتى سنة 1361م، حين فتح السلطان العثماني مراد الأول مدينة “أدرنة” البلغارية، وجعلها عاصمة للدولة العثمانية، ثم فتح “فلبة” و”صوفيا” سنة 1383، بعد أن حاصرها ثلاث سنوات.
وعمت الفتوحات الإسلامية بلغاريا وشارك المسلمون البلغار فيها وتحرروا من ظلم الروم الأرثوذكس البيزنطيين وبفضل مشاركة المسلمين المحليين في حروب البلقان اتسعت رقعة الفتوحات، واصطبغت بلغاريا بصبغة إسلامية عثمانية تامة اعتبارا من سنة 1402م وظلت هذه الأحوال سائدة لعدة قرون حتى عام 1877م وبلغ عدد المساجد في ذاك الوقت أكثر من 1500 مسجد منتشرة في كل مكان.
وبعدما تآمر الروس والأوربيون على الدولة العثمانية، هزمت هذه الأخيرة سنة 1877م، لتبدأ المجازر الجماعية تطال المسلمين، وسادت محاكم التفتيش وأجبر المسلمون على الارتداد عن دينهم أو الهجرة، وقتل منهم الآلاف. وفي سنة 1960م، حوصر المسلمون في بلغاريا وتعرضوا لحملة شيوعية ودمرت المساجد والجوامع والمدارس الإسلامية والزوايا، وشرد المسلمون وطردوا حتى أصبحوا أقلية بعدما كانوا أغلبية.
ويتشكل المسلمون البلغار من الأتراك والتتار والغجر البوماك، تعرضوا لأبشع أنواع التنكيل على يد القياصر البلغار، غير أن ما تعرضوا له على يد الشيوعيين، أشد وأنكى، وتكشف تفاصيل تلك الحملة التي شنتها الدولة البلغارية بكل أجهزتها ضد المسلمين في الفترة من عام 1979م إلى 1989م عن حقد ووحشية وخطة خبيثة اقتضت التخلص من المسلمين اسما ورسما وعقيدة، فتم إرغامهم بالقوة على تغيير أسمائهم من العربية الإسلامية إلى السلافية، وإجبار من لم يرضخ لذلك على ترك البلاد، ثم مورست عمليات تذويب على من بقي وقد أسفرت بالفعل عن إبادة مليون مسلم و بلغرة ثلاثة ملايين آخرين.
وبعد زوال الشيوعية، دخل المسلمون البلغار عهدا جديدا، نالوا خلاله هامشا ضيقا من الحرية الدينية، مع تواصل الحملة ضدهم بصورة مختلفة جديدة وخبيثة، حيث ضيقوا عليهم فرص التعليم والعمل وامتلاك كافة آليات الحياة، بالإضافة إلى منعهم ممارسة الأنشطة الاقتصادية بغية قتلهم في صمت.
ومن نتائج ذلك، أن البطالة بين المسلمين البلغار تصل إلى 80 في المائة، ولا يقل مستوى الفقر عن هذه النسبة، ليجد أعداء الإسلام أرضا خصبة للتنصير، من باب الفقر والحاجة.
وتسعى بلغاريا اليوم، إلى جلب الاستثمارات الإسلامية إلى بلادها، وبالتالي أصبحت تظهر نوعا من المرونة تجاه المسلمين، وبدورهم استغل المسلمون هذا الهامش، ليشرعوا في استعادة الأوقاف الإسلامية التي صودرت خلال العهد الشيوعي، وقد نجحوا حتى الآن في استعادة 15 في المائة، وما زال المسلمون البلغار داخل بلغاريا والمهاجرون خارجها يتمسكون بدينهم ويحافظون على هويتهم ولا يتوقفون عن العمل باجتهاد ومثابرة محاولين انتزاع حقوقهم كمواطنين.
وهكذا حاولنا اليوم عرض صورة واقعية عن مسلمي بلغاريا، الذين نتقاسم معهم هوية الدين، حتى يسهل علينا التعرف عليهم وما هي أحوالهم؟ وما هي احتياجاتهم؟
مسلمون منسيون (1): مسلمو الروهينجا بين اضطهاد بورما وصمت الشعوب الإسلامية على مأساتهم+ صور المعاناة
مسلمون منسيون (2): كيف سكت العالم عن إبادة الروس لحضارة مسلمي القرم؟
مسلمون منسيون (3): رغم المذابح المتواصلة مسلمو زنجبار متمسكون بدينهم