ليلة من ليالي رمضان…قررت أن أنام قليلا انتظارا لوقت السحور لأتناول قليل الطعام و انطلق للمسجد أقدم ركيعات قربانا بين يدي الرحمن طلبا لمغفرة على كثرة الزلات…لكن النوم عاندني و بدأت الأنا كعادتها تطرح علي أسئلة كثيرة…أسئلة بطابع فلسفي لكنها لا تقصد الفلسفة من قريب أو من بعيد, و إنما تريد مني فقط ان اعرف نفسي لها من أنا يا ترى؟؟؟ ربما تمكنها الإجابة من معرفة نفسها.
حقيقة سؤال محرج لم أفكر فيه يوما, من انأ؟؟؟ رغم بساطة السؤال لم استطع الى الإجابة سبيلا, بعد قليل أجبتها قائلا أنا مشروع مواطن, بل مشروع إنسان.
أصبحت حقوق الإنسان و حقوق المواطنة علكة رائجة تلوكها الألسن جميعها, الكل يتحدث و يرتل الحقوق ترتيلا, و الكل يتبجح بالتكليف الإلهي له برعاية هذه الحقوق , و تقدم القرابين لإله الحقوق, عذراوات في عمر الزهور و أيضا عذارى من الذكور,بل و تقدم شعوب و أمم بثقافتها و حضارتها و ماضيها, تقدم لهذا الإله النهم كل أنواع القرابين آدمية و مادية و معنوية, لكن للأسف لم يستجب هذا الإله لأي من الدعاوى أو من التراتيل التي تتلى من اجله بكرة و أصيلا و في الصحو و النوم أو و نحن قائلون.
أنبياء كثر و مرسلون, كلهم جاؤوا بتكاليف من اله الحقوق , الإله الأكثر معبودية في عصرنا , الإله الذي لم ينعم على عبيده بمقدار ذرة من حقوق و رغم ذلك لا يزال يعبد, و المشكل ليس في العبادة فقط بل في القرابين.
لم يكن ما سبق تخاريف قبل النوم بل هو واقع مرير, الكل يتحدث عن حقوق المواطنة و ما يجب أن يتمتع به المواطن في الدولة الحديثة الديموقراطية من حقوق تخول له كرامة في وطنه, تجعله يعيش مرفوع الرأس كريم النفس لا يتلقى الإهانات في كل إدارة من اجل أن ينال حقا او معلومة, لا يضطر أن يطأطئ رأسه أمام رئيسه في العمل مخافة ان يطرده دون أن يجد قضاء يحميه في وجه “باطرونا ” قوية أقوى من القضاء “باطرونا” غفر لها ما تقدم من فسادها و سيعفى عما تأخر , لا يضطر أن يغفر دون مقدرة ظلم رجل سلطة لن يجد مكانا يشتكيه فيه لأنه ان فعل سيتحول من مظلوم لظالم لأن السلطة في بلده تؤمن بشعار انصر أخاك ظالما أو مظلوما” طبعا ليس بمعنى الحديث النبوي الشريف”, لا يضطر أبناءه ان يتوقفوا عن الدراسة التي رغم رداءة مستواها هم متفوقون فيها و يحصلون على اعلى المراتب لكن ليس لهم ثمن كراء غرفة مع شركاء و اقتناء كتب و لوازم الكلية حتى يكملوا دراساتهم العليا فما بالك ان اجبر على دفع مقابل مادي لهذه الجامعة من اجل الحصول على تعليم رديء دستر مجانيا و مرسم بمقابل, لا يضطر ان يصمت لأن القانون قد يعاقبه على كلمة قالها فحوروها و ألبسوها لباس باطل بعد ان ألبسها هو لباس حق و لا ينسى ان قانون الإرهاب يعاقب على ما أسرته الأنفس و ما تخفي الصدور , لا يضطر ان يدفع رشوة من اجل ان تلد زوجته في سرير عفن في مستشفى عمومي فالرشوة على الأقل ستنجي زوجته من موت محقق ان هي ولدت في الشارع العام و أما ما سيرثه الجنين من عواقب وضعه مباشرة بعد ولادته على أرضية باردة فيؤجل التفكير فيه إلى ان يظهر المرض في ابن المستقبل ليجد نفسه غير قادر على توفير ثمن العلاج و حتى التأمين على المرض فانه هزيل و عليه ان يدفع و ينتظر التعويض الأهزل, لا يضطر ان يقترض على مضض من بنك ثمن شقة تلتصق فيها ضلوعه و هو يعلم انه محارب من الله لربا دفع إليها دفعا و سيدفع أقساطا تستمر عقودا من العمر, لا يضطر ان يدفع ضرائب على اللاشيء ترهقه إرهاقا و علية القوم ممن يمتعون بامتيازات لا يؤدون ضريبة أموال و مشاريع بالملايير , لا يضطر ان يرمي ورقة ملغاة في الانتخابات لأنه لا يؤمن بالممارسة السياسية القائمة لكن رؤساء العمل يدفعونه للتصويت لصالحهم لكي يصلوا لمقعد برلماني يخول لهم ظلمه و قرناءه, لا يضطر ان يعيش عيشة الذباب بين القمامة و يدعي انه نحلة بين الزهور.
لعل تحقيق مشروعي في ان أصير مواطنا تعرقله العراقيل , عراقيل هي بالأساس من الآخر فأن تصير مواطنا يجب ان يتواطأ الجميع ليكونوا مواطنين, لكن رغم عدم إيمان الأغلبية بمشروعي سأظل مجاهدا إلى أن أصير مواطنا و تصير أحلامي حقوقا و تصير تضحياتي واجبات, لكن تحقيق مشروعي الآخر يبدوا أقل صعوبة , فإذا كان تحقيق مشروع مواطنتي كتحطيم رقم قياسي في سباق مائة متر دون تدريب , فان تحقيق مشروع إنسانيتي هو ليس إلا كنيل المغرب كأس العالم في كرة القدم, لذا فإنني اجتهد لأصبح إنسانا بان احترم نفسي أولا و أن ألملم بعضا من العلم و المعرفة لشق طريق نيل إنسانيتي, و ان كان الآخر “المادي و ليس الفلسفي” لا يريد ان يعترف بي فإنني سأحاول ان أحقق إنسانيتي في نفسي أولا قبل ان أخوض معركة انتزاع إنسانيتي من هذا الآخر, لكنني و بالأساس لن اعبد إلهكم المكذوب, اله الحقوق الذي يعبده الآخرون كما لم اعبده من قبل.
لن أصير عبدا إلا لله , و لكن أكثر ما أستغربه هو ان يرفض مشروعي عند جل الناس, و بعد أن بدأت كلامي بسؤال الأنا لي : من انا؟؟ أريد ان اسأل بدوري من انتم؟؟؟ و لماذا ترضون بكينونة دون الإنسان و دون المواطن؟؟؟
تصبحون على إنسانيتكم فقد حان موعد نومي, بل هو موعد الركيعات بعد السحور…
للتواصل
ياسين گني (غير فمي و ماگال)
الصفحة على الفيس بوك