
كان الهدف من هذه الإطلالات غير الإعتيادية تحريك الراكد من أجل الوقوف في وجه جريمة يتواطؤ المجتمع على طمرها حين وقوعها دون اعتبار لتداعياتها المستقبلية التي تحكم على الضحية بالعزلة والعار، أو بتبني دور المعتدي كما هو الحال لسفاح تارودانت الذي عمد إلى أعادة فصول الاعتداء الذي تعرض له في سن الحادية عشر على العديد من الأطفال المشردين الذين وقعوا بين يديه.
“عنداكم تحلو الباب”
كانت الطفلة تسرد ملابسات الحادث أمام الكاميرا. تتوسط والديها، تفرك يديها علها تبدد شحنة التوتر التي تسكن جسدها الصغير. بلهجة شمالية تحكي طريقة وقوعها في الفخ على الرغم من أن الخطر الذي تتخوف الأمهات من وقوع البنات في شراكه يبقى نفسه. العدو يقف خلف الباب متأهبا للانقضاض على ضحيته “عنداك تحلو الباب”. لا تنفع النصيحة ويفتح الباب. كان الجاني يراقب الصغيرة. استغل غياب والديها عن البيت وقام بطرق الباب طالبا كوب ماء. ناولته الصغيرة الماء، ليطلب منها ورقة وقلما، لكنه في هذه المرة دفع الباب بقوة، لتنتهي فصول القصة بالاعتداء على الصغيرة.
مطالبة الأب بحق ابنته علنا عبر شاشات التلفزة، محاولة للخروج من دائرة التعتيم، وخطوة نحو وضع الضحية في الخانة الصحيحة بدل العمل على إسكاتها تحاشيا لنظرة المجتمع. «يحضرني هنا مثال الفتاة التي انتحرت في العرائش بعد أن فرض عليها الزواج والعيش مع المعتدي عليها من أجل تقبل واقعها خوفا من الفضيحة وبعض الاعتبارات الإجتماعية التي تؤدي إلى الصمت، وهي صورة واضحة عن غياب الثقة بين الضحية ومحيطها»، يقول الدكتور عبد الله زيوزيو الذي يبدي معارضته للطريقة السلبية التي يتناول بها الإعلام حوادث الإغتصاب، حيث يقتصر تناولها للمسألة في الغالب على عرض معطيات تتضمن سن الضحية وجنسها، إضافة إلى سن المعتدي. ليتحول المشهد الإعلامي إلى واجهة من أجل تسجيل عدد هذه الاعتداءات دون الدخول في نقاش حقيقي من أجل التعريف بأسبابها، والحلول التي من شأنها الحد من هذه الظاهرة.
تهميش.. جهل.. اغتصاب
غياب الدور الإعلامي الإيجابي، يعوضه حضور سلبي يمد المتلقي الذي يعيش ضمن بيئة تغيب فيها التربية الجنسية بالعديد من المعلومات الجنسية التي لا يستطيع معها الشخص تحديد ما هو صحي وماهو مرضي. حادثة دوار البراهمة بسلا نموذج آخر من حوادث الاغتصاب التي أظهرت أن فعل الإعتداء لا يقتصر على البالغين فقط، بل هو نتاج بيئة تتسم بالهشاشة.
تفترش والدة الضحية الأرض داخل سكن بسيط لا يختلف عن باقي عشش دوار البراهمة كما نقلت تفاصيله عبر كاميرا القناة الأولى. «كانت تلعب أمام الباب كالعادة عندما تركتها رفقة شقيقها، لكن بعد عودتي لم أجدها على الرغم من أنها لم تعتد الابتعاد عن الباب كثيرا»، تقول الأم الشابة وهي تتحدث عن طفلتها التي لا يتجاوز عمرها السنتين والنصف، ومع ذلك لم تتردد الأم في تركها دون رقابة. بعد أربعة أيام من الاختفاء تم العثور على الطفلة هاجر ذات السنتين والنصف داخل بئر بعد أن أسر طفل في الثامنة من عمره إلى أحد أصدقائه بأن هاجر موجودة في قعر البئر.
كشفت التحريات أن الطفل ذا الثمان سنوات كان سببا في سقوط الصغيرة داخل البئر بعد اغتصابها. حقيقة صادمة لكنها نتيجة طبيعية لغياب التربية الجنسية داخل الأسرة والمدرسة، لأن «من الضروري توفر حد أدنى من هذه التربية داخل المنزل وخارجه، فغيابها يؤدي إلى استهلاك الأطفال للكثير من المعلومات الجنسية الخاطئة والمرضية من خلال الأفلام الجنسية التي أصبحت في متناولهم سواء داخل البيت أو خارجه في غفلة من الآباء، خاصة على المواقع الإلكترونية« يقول الدكتور عبد الله زيوزيو قبل زن يضيف موضحا «تظهر هذه الحالة نوعا من الازدواجية المبنية على غياب التربية الجنسية داخل البيت والمدرسة، مقابل حضور موضوع الجنس بطريقة مغلوطة بين الأبناء على صفحات الأنترنيت، وحتى في غياب الأنترنيت، يمكن للطفل أن يتلقى خبرات جنسية مغلوطة من طرف باقي الأطفال في الشارع».
تغيب التطمينات العملية التي من شأنها الحد من هذه الظاهرة. جولة صغيرة داخل الأحياء الهامشية وشوراع البيضاء الكبرى تجعل من السهل ترصد ضحايا “مرتقبين”. داخل أحد دواوير بوسكورة حيث تغيب أهم البنيات التحتية، يوجد أكثر من محل للأنترنيت حيث يتحلق على شاشة الحاسوب الواحد مجموعة من الأطفال الذين لا يتجاوز سنهم التاسعة. لا يترددون في تسجيل عبارات “الإعجاب” بفتيات شقراوات. خارج المحل تتجمع النساء في حلقات يتبادلن الحديث في كل شيء باستثناء أمر صغارهن. «ما باليد حيلة.. لا يمكن منع أبناء اليوم.. لكن في المنطقة لم يسبق أن وقع أي حادث من هذا الشكل»، تقول السعدية والدة طفل في الثامنة. تصر المرأة أن دورها ينحصر في توفير المأكل والمشرب والملبس، «أما الهداية راها من عند الله واخا نبقى حاضية ليل ونهار إلا كانت شي حاجة غادي توقع راها غادي توقع»، تضيف الأم بنوع من اللامبالاة التي يقابلها نوع من القلق من طرف جارتها التي أرغمتها ظروف عمل زوجها على ترك الحي المحمدي والاستقرار بمنطقة بوسكورة قريبا من الحي الصناعي، «مقارنة مع الحي القديم فالمكان هناك أكثر أمانا، لكنني لا أتخلى عن حذري بسبب غياب الإنارة، ووجود مساحات شاسعة فارغة، لذا الحل هو أن أترك أبنائي تحت عيني طيلة اليوم.. أعلم جيدا أن منعهم من اللعب في الخارج أمر صعب، لكنني اكتشفت أن أطفال الدوار على الرغم من صغرهم يمتلكون نوعا من الخبث الذي يغيب عادة بين صفوف أطفال المدينة»، تعلن الجارة التي تنتظر بفارغ الصبر انتقالها نحو مكان أفضل لصعوبة تأقلمها مع المكان الذي يعج بقناعات تحكم على الشخص من ملابسه، «لقد اضطررت إلى ارغام ابنتي البكر على تغيير طريقة لباسها لأن نظرة الناس للملابس في ضواحي المدن، تختلف عن نظرة الناس في المدينة»، تقول الأم التي وجدت نفسها نتيجة لهذه النظرة المختلفة أمام طلب غريب من جارتها التي فاتحتها في موضوع تزويج ابنتها ذات الثلاثة عشر سنة من ابنها الثلاثيني. «لم أستسغ الأمر، وقد زاد خوفي أكثر على ابنتي، لأنني في الوقت الذي أتعامل فيه معها كطفلة، يوجد من يود التعامل معها كامرأة بالغة» تردف الأم التي لم تفاتح ابنتها في الموضوع مكتفية بالرفع من وتيرة التحذير.
سكينة بنزين