الطرفة السادسة :من الكلاب الشارده إلى ذات السم الزُّعاف بالثانويه

بسم الله الرحمن الرحيم

طرف  تربوية :  الطرفة السادسة :    من الكلاب الشارده إلى ذات السم الزُّعاف

بالثانويه.

أسرجت جواد الأوبة من كلميمة  ، و ألقيت عصاي بزايو  في الموسم الدراسي 1986-1987  بثانوية  حسان بن ثابت  ‘ فعشت  فيها عيشة راضية ،

أحسن  بكثير من الماضية ، و هي سبب استقراري بها  ، مع العلم أنني لست من

أبنائها .  تنعمت  فيها بالسمك الوفير، بعد أن حرمت منه زمناً ليس بالقصير،  أهلها  طيبون يكرمون الضيف ، و لا يشعر الغريب عنهم أبداً بالحيف  ، و أحسست فيها  بدفء و نعمة  قرب العائلة  ، بعد أن حرمت من ذلك لسنوات طويلة . و  كان مما شحذ همتي  و عزمي للعمل  وجود  أساتذة  متحدين  قد شقوا عصا الشقاق، و ارتضعوا أفاويق  الوفاق . و ما أحوجنا  اليوم  إلى  لحمة الزمن الجميل ، بعد أن   ضعف  الخلق النبيل ، و أصبحنا نكاد نفتقد  أصحاب الموقف الجليل،  و تفرقنا شيعاً و مذاهب ،  و نسينا  ما كنا نطرحه من مطالب .

و بات التهافت على التملص من التدريس بالقسم  منية ، و الجري وراء العمل بالإدارة  بغية .  و لكن  المخلصين  في عملهم  داخل  الفصل مازالوا  يبذلون قصارى جهودهم  ،  و يجودون بأنفس ما عندهم .

على  مشارف نهاية السنة الدراسية 2010-2011 ،  تجند الكثير من أساتذة  ثانوية حسان بن ثابت  لتقديم دروس الدعم و التقوية  لفائدة التلاميذ،

استجابة لنداء  التضحية  والضمير ، الذي لا يعرف التقاعس و التأخير ،  لا يريدون إلا  منفعة  و خيراً . و أجراً عند الله وفيراً .  في يوم الجمعة  من أواخر شهر ماي 2011   وصلت إلى الثانوية  على الساعة 14.30  قبل بداية دروس الدعم و التقوية بنصف ساعة  ، جرياً على عادة  اتبعتها في عملي ، و هي الالتحاق  بالقسم  قبل الأوان ، حتى  أستريح من عناء الطريق ، لتكون  انطلاقة الدرس في أحسن  الظروف. و كان يوماً قائظاً ، شديدة الحرارة ، لا يلطف من  وطأتها   إلا ظلال أشجارالثانوية المنتشرة ، و صف من أشجار الورد المتجاورة .و لكن أثناء سيري في الممر المفضي إلى الإدارة ، و بدون سابق إنذار أو إشارة ، وقفت أفعى  بمقربة  من رجلي ، لا تبعد عنه إلا بنحو عشرين سنتيمتراً ،  تجمد الدم في عروقي ، و جف الريق في حلقي ، و بدأت تصطك أسناني ،  و تعطلت لغة الكلام عن لساني ، و شعرت بدنو أجلي ، و مما  زاد من خوفي و هلعي ، أنها  ظلت في مكانها دون حراك ، و لكن رأسها  مـتأهب للفتك ، و سرى في جسدي حريق ، و ضاع من قدمي الطريق ، و لو كنـــــتَ بمقربة مـــــــــــني  لرأيتنـــــي  ثابتــــــاً فـــــــي المكان ، لا أتزحـــــــــــــــــــــــــــــــــزح كأنني

بنيان ، و كيف لي  أن أتحرك ، و لحم  رجلي مكشوف ، لا  يغطيه  سوى نعل

خفيف  ، لا يمكن أن يدرأ لدغة فيها حتوف.  فتوجهت بهذا الدعاء إلى الله تعالى: اللهم  إنا عليك نقبل ، و إياك نسأل ، و إليك نسترسل ، و بك نتوسل ، و رضاك نبغي ، و رحمتك  نرجو ، و عفوك نؤمل …

فرفعت رجلي اليسرى ببطء ، و خلعت  نعلها ، و بسرعة كسرعة البرق ضربت

رأسها ، و لم تكن الضربة قاتلة ، و لكن بدا لي  أنها فقدت وعيها ، في تلك اللحظة بالذات  لمحني  السيد اليبدري  لفضيل  عون  مكلف  بمهام  الأمن داخل الثانوية ، و قد كان جالساً  تحت  ظلال  شجرة ، فانطلق  نحوي بسرعة  مدركاً أن مكروهاً قد ألم بي ،  و حين وصل و دون انتظار ، و بعزيمة و إصرار ، و بعيداً عن كل ازورار ، دك عنقها بحذائه السميك الثقيل ،  فعادت السكينة إلى قلبي العليل ، و شكرته الشكر الجزيل ، و قال بعد  أن ألقى بها في مكان بعيد :

يجب أن تحمد الله و تشكره كثيراً ، فهذه الأفعى – كما قال- : إذا خرجت من جحرها  فإما أن  تَقتل أو تُقتل .   و قبيل  بداية دروس الدعم بثلاث دقائق  رأيت صديقي  الأ ستاذ خياط الزبير في الطريق  إلى  قسمه  ‘ فلما  حكيت له ما جرى لي  مع الأفعى ،  قال لي  حينما  رأى أخاه الحسين مهيض الجناح ، قليل الارتياح ، و أراد أن يجري معي  كلاما  على سبيل المزاح: ( يا أخي الحسين ، تعلم أن مقامك في نفسي مكين . و أنك لو ارتقيت بي مرقى في الجبل لارتقيته، و لو خضت عباب بحر لخضته . و من واجبي  الآن  أن أكون  معك  في محنتك  من المتضامنين ، وفي مأساتك من المواسين . فهذا حق  و واجب ، من الصاحب للصاحب. و لكنك يا صاحبي أنت من اعتدى، و تمادى في الاعتداء و ابتدا. فذلك التبكير الذي اقتديت فيه بقول الشاعر بشار بن برد :

بكرا صاحبي قبل الهجير … إن ذاك النجاح في التبكير

لم يكن من سداد الاختيار . لأنك أنت من أزعج الكلاب الشارده ، و هي في أقسام الثانوية راقده ،و الحيوان لا يعتدي على الإنسان، إلا إذا فقد الأمان . و أنت  دون العالمين  أفسدت على الكلاب  نومها  ، و ما متعت بالراحة  عينها .

اما الأفعى  التي كادت أن تنهشك  وقت القيلوله،  فهي ليس عن سلوكها مسؤوله . لقد  بحثتْ  في  ذلك القيظ  عن ظل ظليل، و هواء عليل. فما الذي أخرجك  من الدار في ذلك الهجير، و كاد يلقى بك  إلى سوء المصير؟ . أحمد الله  يا  الحو العزيز على السلامه ، و أن الله جنبك الندامه . و  لو كان الأمر  يتعلق بالإنسان ، لخرجت  معك  بعريضة  أو بيان، و لوضعت على الذراع  شاره ،  و كتبت فيها بالتضامن  عباره.  و لكن  الأمر  يتعلق بحيوانات  مسكينه،  أفسدت عليها لذة

الطمأنينه … )

و ا ستطرد  صديقي خياط واصـــفاً  رد  فعلي بعد  ذلك ‘ فقال :  فانفجر أخي الحو ضاحكاً حتى بدت نواجده، و انفرجت بالفرح مواجده . و سرني  أنني  أخرجته من كربه، كما أخرج  يوسف من جبه .

و الآن  بعد كل هذه السنوات ، لم  أكن  أعرف  أن الحو  سيكتب هذه الطرف النادرات. و أنه  سيشرفني  بكتابة  هذه السطور ، و أكون معه شاهداً على تلك الأمور. ) ( انتهى كلام  أخي الزبير خياط)

أخي الزبير  استوعبت  مواعظك  أبلغ استيعاب ، و قيدت من فوائدها  ما لم أجد  قبلها في كتاب . فلم  ترد فيها  مورد  مأثمة ، و لم تقف فيها موقف مندمة .

كلامك كله  زهر ، و سلك كله درر . جمع الله لك قواصي المنى و أنالك بكرمه  أفضل الغنى.

يا أقليد ، لا تكن  عن  حِكَمِ  الزبير عَـــمِـــيّـاً ، و عن  لغته و إشاراته  أعجمياً  ،  حتى    لا  تطيح  بك الطوائح ، و تنوح عليك  النوائح .

و د عني أخي الزبير  أختم   طرفتي السادسة  بقول فيك صادق ، بعيد عن كل رياء و نفاق :  أنت أشكر  من  بَــرْوَقــَـــةٍ .  و السلام ختام .

و الله ولي التوفيق .

بقــلم  الأستاذ الفاضل : الزبير خياط  و العبد الضعيف  الأستاذ : الحسين أقليد.

الطرفة الأولى :  صراع مع المرآة

https://www.zaiocity.net/?p=33991

الطرفة الثانية : كلاب ضالة داخل  قسمي

https://www.zaiocity.net/?p=34899