ذ محمد اركيك
كان ديوجين الفيلسوف اليوناني الذي عاش في اثينا ابان عصر أوجها الحضاري ، الفيلسوف المثير للانتباه والجدل لفلسفته وتوجهه في الحياة.
عرف عنه انه امضى جل حياته داخل برميل مسكنا له وكان يوقد مصباحا في واضحة النهار ويمشي في شوارع اثينا مدعيا انه يبحث عن الإنسان الفاضل الحكيم … .الإنسان الذي لا يوجد بين سكان المدينة .
اختار ديوجين ان يعيش حياة الحرية والتحرر رغم انه سجن وعذب وبيع مرة للقراصنة في سوق العبيد وتهكم من بائعيه ليقول لهم ،، خذوني ايها العبيد فانتم في حاجة لسيد ،،.
ومن طرائف مايحكى عنه زيارة الإسكندر الأكبر له المولع بالشعر والحكمة ليسأله ان يطلب منه ما يشاء ليأمر بتنفيذ ه فاشاح ديوجين بوجهه الى البحر وقال له هلا أزحت قليلا انك تحجب عني دفء الشمس ؟. سأله الإسكندر: الست خائفا
رد عليه ديوجين : وهل أنت خير ام شر؟
الإسكندر : خير طبعا .
ديوجين : ومن يخاف من الخير؟
حينها قال الإسكندر: لو لم أكن الإسكندر الملك العظيم لتمنيت ان أكون ديوجين…
وكان يلوم اصحاب الفلك لانشغالهم برصد الكواكب والنجوم ومراقبة حراكاتها مع انهم لا يعرفون ما تحت اقدامهم و اذا سمع احدا يتحدث عن الأفلاك قال له : متى جئت من السماء..في اشارة الى رفضه الخوض في مواضيع الميتافيزيقا .
اصبح ديوجين رمزا للحكمة وللبحث عن الحقيقة وابهر اعجاب المفكرين والمبدعين من بعده لما تميز به من عبقرية خاصة رغم توجهه الخاص في الحياة…
مصباح ديوجين المصباح الذي بات لزاما على المثقف تقلده في البحث عن الأسئلة العديدة التي يفرزها الواقع . بدءا من طرح كل المفاهيم الجاهزة المكونة لهيكل ثقافته على طاولة التشريح والمساءلة وتحديد العلاقة الممكنة اقامتها مع السلطة . انها عملية ستخرجه لا محالة من ازمته العميقة في اتخاذ مواقف منها بدل لعب ادوار بهلوانية لا تعبر عن دوره التاريخي .
حاولت فترات سابقة بظروفها التاريخية والسياسية و الدولية انتاج حساسية مفرطة تجاه التحرر وحداثة السؤال … وعبقرية الطبقة السائدة انتجت فيما انتجته من يأكل الثوم مكانها . وفرض السياسي تبعية نمطية للمثقافي ولم يحدث الا نادرا ان عرفت المرحلة بعض التمرد الخجول.
ان دور المثقف المغربي في تفعيل مشاريعه قد مر عبر مسارين لم يعبرا الا عن نهاية فاشلة :
مسار تقليدي حاول فرض مشروعه الفكري في التغيير من خلال الدخول في تحالفات استراتيجية مع الفاعل السياسي باسم التشارك و كانت القناة هي قناة المشاركة في اللعبة السياسية . كان من ابرز مظاهرها هيمنة السياسي وتحويل الثقافي لبوق يبررسياساته لما يملكه من وسائل الهيمنة والتجدر في المجتمع .
المسار الآخر مسار المعارضة التي وسمت نفسها ايضا بطابع المشاركة في انجازات الفاعل السياسي عبر تقييمها وتوجيهها والإدعاء احيانا بمعارضتها من الداخل وهي معارضة لم تزد الا من تعرية موقفها التنكري للقضايا العادلة التي كان يعلنها كعناوين لمشروعها الأيديولوجي..
ان كلا المسارين عبرا عن فشل ذريع للمثقف الذي يستطع الخروج من دائرة البؤس المنهجي لعلاقته مع السلطة التي تسعى في اجتهاد متواصل الحفاظ عن مرجعياتها الثقافية التي تضمن سيطرتها واستمرارها وزجت بالمثقف المغربي في التنقل بعشواية كرنفالية بين دائرة الحداث ودائرة القومية والسلفية دون الدخول في مشاريع واقعية تراعي خصوصية المجتمع المغربي .
الفاعل السياسي ألجم المثقف لمرحلة لا يفتح فمه الا للتغني بالإنجازات او لشيطنة معارضيه أو – وهو – الغالب عند طبيب الأسنان. وهو تحريف خطير لدوره في المجتمع نجم عنه سيادة رؤى الإنغلاق والتنكر للانسان في حقوقه وسيادة رؤى غيبت كل تاصيل لقيم الديموقراطية وحقوق الإنسان.
ولم يستطع المثقف اخراج المجتمع امن ضبابية التصورات التقليدية الى انوار الحداثة..كما لم يساهم بالدور المنتظر منه تاريخيا في اعداد التصور الواضح لمطالب الشعب في الحرية والكرامة لانه كان في حاجة الى المصباح الذي سيعيد من خلاله انارة الطريق لتفعيل مشروعه المجتمعي ..
فعلا مقال في الصميم للأخ الركيك المعروف عنه خطه التقدمي المدافع عن حق الإنسان في السؤال والمعرفة . ما أحوجنا إلى مثل هذه الكتابات المستنيرة بعيدا عن اللغط والمزايدات والتفاهات والسطحية
رائع جدا ، في زمننا بحاجة ماسة الى هذه الكتابات التي تعيد للانسان قيمته ، بعد أن غرق أغلب العالم في المادة