يوسف زعناني – هولاندا
كانت اللغة الامازيغية وما تزال ارثا حضاريا ومعلمة ثقافية التي صمدت لنوائب الدهر بصورة تلقائية منذ الاف السنين , بل منذ ان وجد المغاربة لا لانها اقدمها فقط ولكن لانها هي التي صنعت خصوصياتنا التي نتميز بها عن غيرنا , معلمة لم يحدثها جيل واحد من اسلافنا واجدادنا , بل ساهم في انشائها واغنائها كل جيل منذ ان نطق البشر, فتفاعلت مع بيئتها الطبيعية ومع حياتنا الاجتماعية ومع اخلاقنا ومشاعرنا وافكارنا طوال الحقب التاريخية المتعاقبة , فنتج عن ذلك التفاعل ان تكونت هوية ” مغاربية ” تتجلى ميزاتها في نظرتنا الى الوجود الانساني وفلسفتنا في الحياة وعقليتنا الجماعية التي لايمكن ان نعرف بها انفسنا وانما يعرفنا بها غيرنا اما منكرا واما معجبا .
ان هذه المعلمة هي ” اوائل امازيغ ” كمل سماها الحسن الوزان ,مشتقة من كلمة ” امازيغن” التي هي في اللغة ” البربرية” جمع مفرده ” امازيغ” وهو الاسم الذي يسمي به البربر انفسهم , مؤنث امازيغ هو” تامازيغت” يطلق على المراة وعلى اللغة عند قبائل الطوارق المنتشرة في قلب الصحراء الكبرى .
وكلمة امازيغ من حيث صيغتها اللغوية ” اسم فاعل ” وهي صيغة نادرة لم يوضع على وزنها الا عدد قليل من اسماء الفواعل وهي مشتقة حسب ما هو متوفر من القرائن من الفعل ” يوزغ ” والذي معناه غزا او اغار ويرى بعض اللغويين ان امازيغ مشتق من فعل اخر اعتبروه مماتا في اللهجات الاخرى كلها قد يكون هو الفعل ” ازيغ ” او ” يوزاغ ” وهو افتراض انبنى على الخلط بين ثلاثة افعال اخرى هي “ياغ ” بمعنى اصاب او اعترى, و” ياذ ” او “يوغ ” بمعنى اخذ او نال او سقط او اشتعل او اضاء .
تسمية البربر انفسهم ب ” امازيغن ” ضاربة في القدم وبها عرفهم اقدم المؤرخين وعرفهم بها اقرب جيرانهم اليهم وهم المصريون القدماء مع تحريف اسمهم في النطق ثم في الكتابة وقد ذكر المؤرخ اليوناني ” هيكاتايوس ” امازيغن في القرن السادس قبل الميلاد باسم “مزاييس ” وذكرهم “هيروضوتس” في القرن الخامس قبل الميلاد باسم ” ماكييس ” والذي يهمنا هنا ليس هو ذكر سبب تسمية امازيغن بالبربر واستعراض اصلهم او القيام بدراسة تاريخية لماضيهم ابتداء من العصر التاريخي وما قبل الاسلام الى يومنا هذا وانما هدفنا هو التركيز على لغة هذا الشعب , التي تعتبر في العمق من اهم العوامل الحضارية والثقافية التي كيفت الروح المغربية والبيئة الطبيعية التي نشات فيها وقولبت الفكرالمغربي في كثير من جوانبه وبالتالي شكلت البنية التحتية للشخصية المغربية الاسلامية او لما سمي بالانسية المغربية على غرار الانسية الاروبية .
فاللغة الامازيغية اذن لغة قائمة بذاتها وليست ” لهجة ” متفرعة عن لغة اخرى , لهجاتها تلتقي في اصل واحد بصورة واضحة لا في معطياتها النظرية فحسب ولكن حتى في معطياتها المتصلة بالممارسة والاستعمال وقد كتب الباحث المتمزغ ” اندري باصي” في الموضوع ما يلي : ” ان بنية اللغة الامازيغية وعناصرها واشكالها الصرفية تتسم بالوحدة المدرجة انك ان كنت تعرف حق المعرفة لهجة واحدة منها , استطعت في ظرف اسابيع ان تتعلم اية لهجة اخرى , تدلك على ذلك التجربة اذ اللغة هي اللغة نفسها وقد عجبت لذلك…” لهذا فاننا لن نتساءل مرة اخرى حول ما اذا كانت اللغة الامازيغية لهجة ام لغة لان هذا الامر تجا وزه البحث العلمي في ميدان اللسانيات المعاصرة وترك الخوض في غماره لمجالات اخرى هي اقرب الى الايديولوجيا والقناعات .
فمن منظور اللسانيات الاجتماعية , تدخل هذه اللغة في علاقة تراتبية مع كل من اللغة العربية الفصحى ” او العصرية ” والفرنسية والدارجة المغربية علما بان هذه الادوات التعبيرية تتفاوت من حيث ارصدتها وقيمها ووظائفها واستعمالاتها, وكغيرها من لغات العالم , فاللغة الامازيغية جزء من الثقافة بمفهومها الواسع الممتد من الاقليمي الى الوطني فالعالمي بل هي احدى المكونات الاساسية للثقافة المغربية ومن ثم فهي ليست مجرد نظام جامد يستعمل كاداة تواصل بقدر ما تتعدى تلك الوظيفة البسيطة لتكون عبارة عن كيان اجتماعي ثقافي مرتبط بالانسان الذي يستعمله ويتخذه وسيلة للتعبيرعن افكاره وهمومه وانشغالاته وابداعاته ويدخل بواسطته صراعات رمزية ومادية في المجالات الاجتماعية التي يتحرك فيها . وهكذا فان الامازيغية تتمتع باهم صفات اللغات الحية ولعل اول ظاهرة ثقافية يلاحظها غيرنا هي اننا نرتضخ لكنة معينة عند نطقنا بلغة اجنبية بل حتى عند نطقنا باللغة العربية.
ان معجم لساننا الدارج يحتوي عددا مهما من المفردات ” البربرية ” يختلف عددها من منطقة الى اخرى باختلاف درجة الاستعراب منها ما عرب في شكله ك ” الساروت ” و”المزوار ” و ” البرنوس ” وما عرب جزئيا لم يطرا عليه الا حذف اوله ك “زيزون” و”زعطوط ” و”فرطوط ” وما حوفظ على بنيته الاصلية ك ” افراك ” و” اسلان” و”لالا”و ” بابا ” ومما يلفت النظر ان المغاربة كانوا ينطقون هذه الكلمة الاخيرة ” بابا ” ببائين مرققتين كما تقتضيه الفنولوجيا الامازيغية واصبحوا في معظمهم اليوم ينطقونها ببائين مفخمتين تقليدا للنطق المصري الذي هو بلا شك تقليد للنطق التركي.
هذه لمحة خاطفة على بعض خصوصيات اللغة الامازيغية . فمما لا شك فيه ان عددا لايحصى من اللغات كتب لها الانقراض والاندثار صارت الى خبر كان . فهل نرضى ونحن في العشرية الثانية من القرن الواحد و العشرين بما له من الوسائل المادية والتقنية والتعليمية ان نترك هذه المعلمة معرضة للضياع ؟
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عُقبةَ بنِ عَمْرٍو الأنصاريِّ الْبَدْريِّ -رَضِي اللهُ عَنْهُ- قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ)). رواه البخاريُّ
لنفرض جدلا ان الأمازيغ عرب من بني كنعان ,ولكن هل العرب كلهم كنعانين ,لااعتقد دلك . لان المؤرخين قسموا تاريخ العرب الي تلاثة اقسام ,هناك عرب بائدة لم يذكرها التاريخ ,وجاء ذكرها في القرأن وهي عاد وثامود وقوم تبع ,والعرب العاربة ابناء يعرب ابن قحطان وهي خليط من السلالات من احباش والاكادين والفرس والبنغالين, والعرب المستعربة اي العرب الأسماعلية او العدنانية التي يصل نسبها الي ابراهيم عليه السلام .وابراهيم عليه السلام ليس عربيا بل هو كنعاني كردي وكلمة ابراهيم باللغة الكردية معناها {اخي }, ادن الامازيغ في هذا الطرح الي اي من العرب ينتسبون ؟ ولهذا فالأعتماد على النظريات السطحية وتخمينات النسابين ليس مقياسا لتحديد اصل او اصول الشعوب .فالبحوث العلمية والاكتشافات الاثرية التاريخية هي المؤهلة لتحديد الاصل وتفرعات الأقوام والشعوب .