إنجاز: جمال الدين الخضيري
نظمت جمعية جسور للبحث في الثقافة والفنون بشراكة مع مندوبية وزارة الثقافة بالناظور ندوة حول موضوع الاستعراب الإسباني، بالمركب الثقافي بالمدينة بتاريخ 29 أكتوبر 2011. وبشكل موازي احتفت الجمعية من خلال هذه الندوة بالأديبة فوزية القادري، وذلك بدراسة روايتها التي أصدرتها مؤخرا، والموسومة ب ” وسارت بهما الأيام”.
فبخصوص موضوع الاستعراب الإسباني تم استضافة الباحث المغربي محمد القاضي المهتم بقضايا الاستعراب الإسباني والمتتبع للشأن الإسباني وللمشترك الثقافي بين الحضارتين العربية والإيبيرية
لقد ترأس الندوة الدكتور أحمد الكبداني مُعرّفا في البداية بالباحث محمد القاضي وإنجازاته الفكرية المتعددة التي تنهل من معين الثقافة الإسبانية، وكذا ترجماته لعدة أعمال إلى العربية، قبل أن يفسح له المجال ليتناول في عرضه، الحضور القوي للمغرب في المخيال والأبحاث الإسبانية، باعتباره بلدا جارا، وتربطهما قواسم مشتركة مازالت حاضرة إلى يومنا هذا تدل عليها اللغة والآثار، مشيرا إلى أن الثقافة العربية ثابتة في الأندلس، كما بيّن أن الإسبان هم مستعربون وليسو مستشرقين، لأنهم اهتموا بالمغرب ولم يتجهوا نحو الفرس ولا إلى المشرق. ولقد وقف عند مصطلح المستعرب مفيدا أنه يمكن تعريفه بالشخص الذي يدرس اللغة والأدب العربي والتاريخ الإسلامي، وأي مظهر من مظاهر الحضارة العربية الإسلامية. ثم بعد ذلك سلط الضوء على أعلام الاستعراب الإسباني وجهودهم في التعريف بالثقافة العربية، بدءا من ألفونسو العاشر أو ألفونسو الحكيم الذي كان له الفضل في تأسيس أول مدرسة للترجمة في طليطلة، والتي لعبت دورا كبيرا في نقل الفكر العربي إلى اللغة اللاتينية آنذاك. وقف الباحث عند محاكم التفتيش التي عرفتها الأندلس بعد طرد العرب منها مبرزا أثرها السلبي على المُخلّفات العربية المكتوبة التي تركوها وراءهم، إذ تم إحراق مليون كتاب، وهي أكبر صدمة عرفتها إسبانيا، وكاد الاستعراب ينقرض لولا جهود بعض الباحثين الفردية. بعد هذه الأرضية لتاريخ الاستعراب وسيرورته يتطرق إلى الاستعراب الاسباني في شكله الجديد مركزا على شخصين معاصرين هما:
(بيدرو مارتينس مونتابيس) الذي عاش في تطوان وسافر إلى مصر، ومن ثم كشف عن قيمة الأدب العربي من خلال كتابه “مختارات أدبية”. والشخص الثاني الذي وقف عنده هو (فيرناندو دي أكريدا)، الذي استهواه الأدب العربي بصفة عامة، واستقر في مدينة فاس مدة ثماني سنوات، وله كتاب مهم بعنوان ” مختارات من الأدب المغربي المعاصر”.
وفي موضوع الاستعراب دائما تناول الكلمة الدكتور عيسى الدودي، متطرقا في عرضه إلى الاستعراب في شكله الجديد، إذ بين أن قضاياه ستتغير، وستعرف مواضيع جديدة تواكب مستجدات المرحلة والتطورات الحاصلة بين العالم العربي والغربي. فالاستعراب في القرن الواحد والعشرين أصبحت له مؤسسات ينضوي تحت لوائها، وأصبح استعرابا مرتبطا بدوائر مختلفة: (سياسية، أمنية، ثقافية،…) لا سيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمر. والباحث يرى أن الاستشراق عموما بات اليوم يتوجه نحو حقوق الإنسان والديمقراطية، والإسلام السياسي، والإرهاب، والمرأة، والتنمية. ويضيف المحاضر أن كثيرا من المستعربين/ المستشرقين في أوروبا اتجهوا نحو الولايات المتحدة الأمريكية واشتغلوا هناك في إطار مؤسسات وأصبحوا يحملون اسم (مختصون أو خبراء في الشؤون العربية)، بدل اسم (المستشرقون أو المستعربون). ويخلص الباحث في الأخير إلى أن الاستعراب الإسباني أقل حدة من الاستشراق عموما، فهو استعراب معتدل، مستدلا على ذلك بمجموعة من الأعلام الاسبانية المهتمة بالشأن المغربي، مركزا على شخصية المستعربة (كِيما مارتن مونيوس).
أما الجلسة الثانية من الندوة فكانت عبارة عن قراءة في رواية المبدعة فوزية القادري:” وسارت بهما الأيام”. ولقد قام المحاضر الدكتور امحمد امحور بقراءة مركزة في عدة جوانب من الرواية مرتئيا أنها تنقل أحداث الواقع بعناية فائقة، وتختار الفضاء الزمكاني الذي تتحرك في الشخصيات بدقة. لذا فالرواية واقعية اجتماعية، والسارد لا يكتفي بنقل الواقع بل يقدم نقدا صريحا لمظاهر الزيف فيه، ويسعى جاهدا نحو تغييره من خلال اقتراحات وحلول للأمراض المتفشية في المجتمع. وفي انتقاله إلى الجانب الفني من الرواية يرى المحاضر أن الرواية تمزج بين لغة السرد ولغة الواقع، بحيث استغرق زمن الحكي صفحات طويلة بدل الإيجاز والتركيز على واقعة واحدة، فالسارد ينخرط باستمرار في نقل الوقائع اليومية بشكل مستفيض، وبهذا يكون السارد في رواية فوزية القادري ساردا عليما – حسب المحاضر- ويكون قد سلط الضوء على كل عناصر القصة وأحاط بكل جوانبها وتفاصيلها وجزئياتها، وهو ما أخلّ في أحيان كثيرة بمبادئ القصة. ويخلص المحاضر في الأخير إلى أن الرواية غنية وتكشف عن هم أنطولوجي، فكل مقطع فيها يأسر العقل والوجدان في تفاعل عجيب مع عدة عوالم تخييلية وافدة.
من جهته تناول الكلمة المحاضر الدكتور نور الدين الفيلالي الذي آثر أن يقسم عرضه إلى خمسة محاور نوجزها في الآتي:
– العتبات: أشار فيها إلى كون الرواية ذات حجم كبير، وهو أمر غير معتاد في الروايات السائدة، كما قام بقراءة مقتضبة في عنوان الرواية وصورة غلافها.
– بناء الرواية: لاحظ أن الرواية تسترسل كثيرا في السرد، لدرجة أن السارد يستحوذ على حرية القارئ ويتداخل صوته مع صوت الشخصيات، كما أنها تبدو ذات نفس واحد، لأنها غير مقسمة إلى فصول أو أرقام، مع قلة استعمال علامات الترقيم، مما حدا بالمُحاضر إلى اعتبار الروائية كانت خاضعة لدفقات قوية من ثقل الكتابة زاجّة بها في نفس واحد وحدث متماسك من بداية العمل إلى نهايته.
– مضمون الرواية: رأى أن أحداث الرواية تتوزع بين ما هو سياسي ورومانسي، مع التركيز أكثر على الجانب الرومانسي باعتباره المحرك الأساس للأحداث. فالرواية تحكي قصة فتاة طموحة وحالمة تهاجر إلى إنجلترا هربا من الأوضاع السياسية في بلدها. وللفتاة نشاطات حزبية وصحفية، إذ تنتقد سياسة بلدها والقائمين عليها. هربت إلى لندن وبدأت هناك حياة جديدة وحققت عدة مكاسب على المستوى العلمي والمادي، بيْد أن ذهنها معلق بالوطن، وسرعان ما تتناسى قصة حب عاشتها في بلدها، لتبدأ قصة حب أخرى مع شاب إنجليزي. وتعود في النهاية إلى موطنها بعد أن تحسنت حالته السياسية.
– التيمات: أبرزَ عدة تيمات تطفح بها الرواية من قبيل تيمة الفساد، وهو في الغالب فساد أخلاقي، ومالي، وسياسي. وكذا تيمة القمع والاستبداد، وتيمة الثورة التي كانت ثورة عارمة على التقاليد البالية وعلى الشؤون السياسية التي تنخر البلد.
– البعد المعرفي والتوثيقي: وهو آخر محور من مداخلته، إذ بيّن المحاضر أن الرواية تقدم معطيات مهمة عن المجتمع الإنجليزي، وتمثل استمرارية لما قدمه ابن جلون في سيرته الذاتية “في الطفولة”.
وفي نهاية هذه الندوة فُتح المجال للمناقشات والتعقيبات، فكانت تدخلات الحاضرين متميزة وغنية أضفت على الموضوع إضافات نوعية ومتميزة.