متاهات في غابة النفوس – عمود أسبوعي حصريا على زايو سيتي
قلم – سعيد صغير مربي ومرشد إجتماعي بألمانيا
الثالثة – الحمار السعيد
جلس عم سالم، كعادته كل صباح، على صخرة وسط البهو الخارجي لمنزله، يرسل نظراته الى الجبل الشامخ ، يستلهم منه المجد والعظمة. جبل تركت فيه التعرية خدوشاً عميقة تشبه كتابات الزبور القديم، وتجاعيد وجه عم سالم، الذي أحرقته الشمس وعبثت فيه الأيام و الليالي. قضى عم سالم شبابه مغترباً بعيداً عن الدوار. كان يزور أمه من حين لآخر، إلى أن قرر الإستقرار في مسقط رأسه.
أحب عم سالم الغالية بنت الجيران.كان أيام شبابه و أمجاده يغرقها في الهدايا والورود ويحبها مثل ما يحب هذا الوجود. لم يعاشرها بل كانت تكفيه نظراتها الساحرة، التي كانت لا تبخل بإرسالها عبر النوافذ الطبيعية في حاجز الصبار الذي يحيط بدارها، كسد منيع يحميها من الغرباء. تمنى عم سالم لو إندثر الصبار من الدوار. أهل هذه البلاد لا يخفى عليهم شيء. يراقبون كل كبيرة وصغيرة، خاصة العلاقات الحميمية. فلا حظ للفتيان و الفتيات في التعامل عن قرب،. عم سالم لم يفلح في طلب يد حبيبته من والديها، فعاش وحيداً بعدها، يحيي ذكراها مع كل شروق. ’’انا متاكد انها كانت تحبني، كانت تفنى حبا. حتى أنا أحببتها. لولا سحر الشيطانة القايمة، التى حالت دون زواجنا، لكان لديّ الآن عشرة أطفال، كانت تود أن تزوجني بنتها حادة فأطعمتني سحرها. منذ ذلك الحين، لا أثق بأحد يحضر طعاماً من أجلي.’’ هكذا يواسي العم سالم نفسه بلا شعور. إنه الإخفاق في علاقة عاطفية، أطفأ شعلة الحب في قلبه و جعله يعيش حالة مرضية، آسفا متحسراً فيها. لم يستسغ طعم هذه الهزيمة العاطفية، فانقلب الى نفسه منهزماً مدحوراً. لم يصالح نفسه، و رفض واقعه المر الذي يتنافي مع أمانيه وتطلعاته.
عم سالم رجل متمرد عن الأعراف، لا يملك البطاقة الوطنية ولا بطاقة الناخب. يكره السياسة و السياسيين. يعيش وحيداً في داره إلى جانب قططه التي يعرف وحده، كم عددها أو ربما حتي أسمائها أو طبيعة أخلاقها وتصرفاتها. قطط تشبه وحوش البرية، لم تأتلف إلا مع عم سالم. رغبته الدفينة في ذرية صالحة ’’عشرة أطفال’’ يتسامى بها في منحه اللجوء للقطط. ’’هي التي تمنحنى الدفء في ليالي الشتاء البارادة القاسية. هي التي تؤنسني إذا ما لازمت الفراش وأنا سقيم. تتسابق القطط في كسب مودتي والتقرب إليّ. عندما أنام تحيط برأسي فلا أهاب الأفاعي والعقارب و الحشرات.’’ قطط عم سالم تمنحه الحب والدفء والأمان.
إشترى عم سالم جحشا جميلاً نحيلاً. أكرم مثواه، أعطاه جانباً من بهو منزله. ياتيه برزق كل يوم و من كل مكان. سكان الدوار يستهزئون بالعم سالم ومن تصرفاته تجاه حماره المدلل.’’ قريبا سنرى حمار عم سالم’’ يقول أحدهم. ’’ سيخرجون للنزهة يداً في يد’’ يقول آخر. ’’. إستمر عم سالم في إكرام حماره. ( حتى الحمير فيهم محظوظين) يتركه في الدار عندما يذهب إلى الحنفية قصد جلب ما يحتاجه من الماء. أيام الجفاف، يذهب بعيداً، ليجمع ما لذ وطاب من عشب للحمار، تماماً كما يفعل العاشق الولهان، عندما يجوب البراري ليؤلف باقة زهر جميلة لحبيبة الوجدان. هذا شكل آخر لتسامي عم سالم عن العيش في وحدة قاتلة، وعن إخفاقه في تكوين أسرة وإنجاب أطفال، كانت ستغنيه العناية بكل أفرادها، عن الإرتباط بهذه المخلوقات. إنه يفرغ لا إراديا مجموعة من المشاعر والأحاسيس يضيق لها صدره. منها عدم الثقة في النفس الناتج عن اخفاقات مستمرة، والاحساس بالدونية نتيجة النقد المستمر من لدن الاخرين. و إنفصام في الشخصية سببه الهوة العميقة بين واقعه وأحلامه.
العيش الرغيد الذي يتمتع به حمارعم سالم، جعله سعيداَ و مفكراَ. يتمتع بالأكل والشرب دون عناء. رفاهية يحسد عليها، ومعاملة لطيفة من مولاه، خالية من حصص الضرب المبرح الذي يكون عادة جزاء للحمير، على حملهم الأثقال والكد طول النهار. هذه البيئة المثالية التي يحلم بها كل حمار، وتشبعه بأفكار الربيع العربي قومياً، وحركة 20 فبراير وطنياً، جعلت منه حماراً ذكياً، له الوقت لإستخدام عقله في التدبر وإنتاج الأفكار، عوض البحث عن الكلإ طوال النهار. أصبح يفكر في مخرج لإنقاذ الحمير من الإعتداء الكبير، ومن التسخير في حمل الأثقال في زمن الجرارات والآليات والرافعات والشاحنات.
لم يجد بديلاً عن الخروج الى التظاهر وهو يخطب في الناس ’’حا حا حا…… حافظوا علي البيئة حا حا حا حا حا…. حان وقت الرفق بالحيوان. (حا حا…. حاشكوم).’’.
saghir@web.de
الأولي – شديد العقاب
https://www.zaiocity.net/?p=17949
الثانية – جمال فاطمة
واصل يارجل
الموضوع يتكون من شقين
الشق الأول يتناول حب عم سالم بحبيبته الغالية والشق الثاني حب عم سالم لحماره
لقد أغفلت الشق الأوسط. حب عم سالم لقططه
hhhhhhh