حفيظة وجمان
أول من رأى النور على يديها كانت أنثى وآخرهم كان ذكرا، “جدتي”.. هذا هو الاسم الذي يناديها به الجميع، امرأة لم تختر مهنة “قابلة” لكن المهنة هي التي اختارتها منذ أكثر من 50 سنة، لم تتعلم هذه المهنة بل كانت الصدفة فقط من قادتها لتوليد أول امرأة في حياتها، تحكي الجدة: “كانت جارتي عائشة هي أول من قمت بتوليدها وكانت المولودة فتاة، لا أعلم كيف جاءتني الجرأة للقيام بذلك لكن كانت الظروف فقط هي من فرضت الأمر علي والحمد لله مر الأمر بسلام، لأقوم بعدها بتوليدها خمس مرات ، لا اعلم عدد الأطفال الذين رأوا النور على يدي لكن أظنه يفوق الخمسين، منهم الآن من لديه أحفاد”
اغلب من قامت بتوليدهن كن جاراتها في المسكن وفي الحي وقريباتها، وطريقتها في التوليد كانت بسيطة تعتمد على أدوات طبيعية مثل زيت الزيتون، حيث كانت تقوم بتسخينه والمسح به على بطن النساء الحوامل إلى أن يأتيهن المخاض، ولم يكن يساعدها في عملية التوليد سوى ركبتها اليمنى التي كانت تقوم بها بتصحيح وضعية الجنين في بطن أمه، كما أنها تشترط إخلاء مكان الولادة من الجميع باستثناء شخص أو شخصين.
هي سيدة هادئة الطباع، بشوشة دائما، طيبة وبسيطة جدا، قنوعة بما رزقها الله في حياتها ، تتكلم بصوت منخفض، علامات الدهر بادية على وجهها الصغير، قصيرة القامة وذات جسد متوسط، لا تعلم بالتحديد تاريخ ميلادها، لكن كما أخبرتها والدتها أنها من مواليد نفس سنة ميلاد الملك الراحل الحسن الثاني، ترملت ولم تبلغ بعد 30 من عمرها، لتمضي بقية حياتها في تربية أبنائها الخمس، عانت الكثير لتكافح في الحياة وحدها، لكنها تغلبت على كل الصعاب ونجحت في تربية أبنائها بعرق جبينها وبكبرياء المرأة المغربية المكافحة والمضحية في سبيل فلذات أكبادها، هي مثال لكل نساء المغرب الصامدات والمتحديات للصعاب والعقبات. مهنة قابلة كانت شيئا خاصا جدا بالنسبة إليها، فلم تكن ترجوا من عملها ذاك مالا ولا جاها، ولم تشترط يوما على أي أحد مبلغا معينا مقابل عملها، فهي تشتغل في هذه المهنة النبيلة بالبركة كما تقول، كانت تطلب الدعاء بالخير والصلاح لها ولأبنائها الذين من صلبها وأبنائها الذين كانت شاهدة على ميلادهم، والذين تعدوا الخمسين شخصا، من بينهم أطباء ومهندسون وحتى فنانون فهي على يديها رأت النور إحدى الفنانات الأمازيغييات.
تحكي أنها ثارت مرة على إحدى جاراتها حين سألتها كم تلقت أجرا من إحدى الولادات التي قامت بها ، لأن الأمر بالنسبة إليها أمانة، ولولا أنها سئلت أحد فقهاء المساجد عن هل يجوز قبول ما يقدم إليها مقابل قيامها بتوليد النساء وإجازته الأمر إليها، لما قامت كما تقول بقبول أي شيء من أي امرأة.
الأمانة والصمت هما شعارها في مهنة التوليد، لأنه تنكشف إليها أسرار البيوت والنساء من خلال هذه المهنة، تقول: “يجب على أي امرأة تقوم بتوليد النساء أن تتحلى بفضيلة الصمت والكتمان، فهي تطلع على أشياء خاصة جدا، توجب عليها أن تظل طي الكتمان، كما أن الفراش الذي تلد عليه المرأة وثيابها يجب على القابلة تنظيفه، وان لا يطلع عليه أي احد غريب، فتلك أمانة أخرى عليها القيام بها على أحسن وجه”
تبتسم وتقول: “وأنا أشاهد فيديو فرح ابنتي أمينة الكبرى، كنت أشير كل لحظة إلى أحدهم وأخبر أبنائي انه أيضا ابني، فعلى يدي جاء للدنيا، ليضحكوا جميعا ويقولوا لي أنت أقمت الفرح لهم وليس لأمينة، سعادتها لا توصف حين تسمع أخبارا جيدة عن أحدهم، تدعو لهم دائما بالخير وتسعد دائما حين يزورها أحدهم، ليدعوها إلى زفافه أو يعرفها على أحد أحفادها الذين ربما تعدوا المائة.