تقديم
تندرج هذه الدراسة في إطار الرغبة الملحة في المساهمة في الورش الطبونومي الموسع لمنطقة
كبدانة، وقد إعتمدنا فيها أساسا على معرفتنا الشخصية للأماكن بإعتبارنا من مواليد هذه البلدة .
لكن لم يمنعنا ذلك من المعاينة الميدانية للأماكن المدروسة للإطلاع على خصائصها الطبيعية، وهي معلومات مهمة تساعد الباحث على تكوين فكرة عن المكان وتكون له سندا وعونا في محاولة تفسير معنى أسماء هذه ألأماكن، لكن المرجع ألأساسي يبقى الرواية الشفوية لكونها مصدرا مهما وخزانا ثقافيا وتاريخيا. ففي نقص المراجع وأحيانا في غيابها إلتجأنا الى مقابلة السكان الذين بدورهم ساهموا معنا في تفسير أسماء ألأماكن رغبة منهم في بناء الذات الجماعية ولو من الناحية الرمزية، وإنطلاقا من هذا المبدأ المشحون بحمولات إنسانية كان الدافع ألأكبر نحو المباحث ذات الصبغة الطبونومية.
وقبل أن نتطرق الى تفاصيل دراستنا لابد منا أن نعرف أولا بعلم يعنى بدراسة أسماء ألأماكن وتحليلها
ويدعى علم ألأعلام الجغرافية أو الطبونوميا.
ما الطبونوميا وما دورها عند المجموعة البشرية..؟
يتناول موضوع الأعلام الجغرافية علما يسمى ” الطبونوميا”
وهذا العلم يهتم أساسا بالأصل اللغوي الأنتربولوجي لأسماء الأماكن والمناطق الجغرافية في كل منطقة من مناطق العالم .بيد أنه من الطبيعي أن لكل منطقة جغرافية أسماء ترتبط بشكل أساسي بالإنسان الذي يقطن تلك المنطقة، بلغته وثقافته، تختزن ذاكرته وتعبر عن كينونته، وعلى هذا الأساس فكل الأعلام الجغرافية بمنطقة جغرافية معينة تمتح من لغة المجموعة البشرية التي تقطن تلك الرقعة .
وهكذا فللصينيين أعلامهم الجغرافية وللفرنسيين وللعرب وللفرس وللأمازيغ..ولكل المجموعات البشرية التي تقطن كوكب ألأرض.
ففي بلاد الصين مثلا، لا يمكن للأجنبي أن يفهم معنى بكين وشنغاي لأنهما بكل بساطة إسمين أمتتحا من اللغة الصينية كما لا يمكن له معرفة معنى أسماء أماكن مثل الرياض، أنقرة، باريز ونيويورك لأنها أسماء أمتتحت من اللغة العربية والتركية والفرنسية وألانجليزية…الخ
وأول ما ينبغي أن يلاحظ قبل الدخول في تفاصيل الموضوع هو أن دراسة الأعلام ليست مجرد دراسة لإسم المكان وتوضيح معناه أو معانيه كما يعتقد الكثيرون، بقدر ما هي عبارة عن نبش في الذاكرة التاريخية والحضارية والثقافية الخاصة بالمجموعة البشرية المعنية بغية إكتشاف أسرار وخبايا العقلية الجماعية ومدى تأثرها بمحيطها المادي والإيديولوجي في تحديد العلاقات بين أفراد هذه الجماعة الواحدة. وعلى هذا ألأساس يتضح دور ألأعلام الجغرافية والمتمثل في الحفاظ على الشخصية الثقافية للمجموعة البشرية التي تقطن مجالا معينا نظرا لكونها تختزن الذاكرة الجماعية والتاريخ المشترك لها فالأعلام الجغرافية من حيث كونها تمتح من لغة وثقافة الشعب المعني فإنها تمكن هذا ألأخير من الحفاظ على شخصيته المتميزة في إطار التنوع الذي هو سنة من سنن الكون، وأي تحريف قد يلحق هذه ألأعلام سواء كان مقصودا أو غير مقصود فإنه لا شك يؤثر ليس على كينونة المجموعة البشرية فحسب بل وعلى مستقبلها برمته مما سيؤدي بالمعالم الثقافية للمجموعة المستهدفة أن تندثر مع إندثار مضمون الأعلام الجغرافية أو على الأقل أن يؤدي تحاشي التطرق الى الأصل اللغوي للأعلام الجغرافية لمنطقة معينة لدوافع إيديولوجية واضحة – كما هو الشأن في المغرب – الى ضمور الشخصية الثقافية والتشويش على الكينونة الذاتية للمجموعة البشرية، ونضرب هنا مثلا بمنطقة كبدانة – والتي هي عنوان دراستنا في هذا الجزء الأول – حيث تم هناك فبركة كل أسماء الأماكن بعناية فائقة وذلك لغرض إستبعاد الأصل اللغوي الأمازيغي لهذه الأماكن.
إسم المكان المدروس اليوم – إبرشانن – البركانيين
إسم المكان الوارد في هذه الدراسة البسيطة يوجد على الرقعة الجغرافية التي تعرف ب شبدان أو كبدانة وهي منطقة ساحلية تقع ما بين أرشمان – أركمان – ورأس كبدانة أما إداريا فهي جماعة تضم العديد من الدواوير .. ،وهذه المنطقة الغارقة في القدم كانت الى المدى القريب تعد من بين أكبر القبائل ببلدة كبدانة وقد تحدث عنها أوجيست مولييراس في كتابه” المغرب المجهول” الى جانب كتاب ودارسون ومؤرخون إسبان، وكانت تتمتع بثرواتها وظروفها الطبيعية الملائمة لجميع النشاطات منها الفلاحة وتربية المواشي إضافة الى الصيد البحري، مما جعلها قطبا إقتصاديا خاصة وأنها كانت تتوفر على سوق أسبوعي كبير معروف بإسم “تيخوباي” وكان يستقطب الكثيرمن التجار والمتسوقين من جميع أنحاء القرى والمدن المجاورة.. الشيء الذي كان له أثر كبير على مستوى الإرث الرمزي والمادي للمنطقة. كما كانت هدفا إستعماريا للقوة المحتلة التي عرفها المغرب خاصة المستعمر الإسباني .
وفيما يخص دلالة إسم ” البركانيين” نشير هنا الى اللبس الذي يلف هذا الإسم، فأول محاولة لتفسير معنى هذا ألإسم من قبل الباحثين المتجردين من كل زيغ إيديولوجي والمتحلين بالمنهجية العلمية يصطدمون بمشكل ألإختلاف في النطق و المعنى، حيث يذهب السكان الأصليون للمنطقة الى تسمية أنفسهم ب ” إبرشانن” كما هو متعارف لديهم منذ قرون، وأن لهذا الإسم معنى في اللغة المحلية الأمازيغية في حين أن تسمية ” البركانيين” لا معنى لها في جميع لغات العالم ومنها العربية.
ونعتقد أن هذا الأمر راجع الى اليوم الذي بدأت فيه الإدارة المخزنية المغربية محاولة تعريب أسماء الجغرافيا والجماعات حتى لا تبقى حاملة لصبغتها الأمازيغية، وذلك تمهيدا لمشروع الدولة العربية الذي بدأ مع بداية عهد الحماية، فأستبدلت بعض أسماء المواقع بألأخرى وهناك من حرفت لغرض إستبعاد معناه الحقيقي كأرشمان الذي أصبح أركمان وأيت قياضن الذي أصبح بني قيطون..
غيرأن هذه السياسة ترتب عنها مع مرور الزمن عدم قدرة الباحثين الأكادميين المغاربة في يومنا الحالي تفسير معنى هذه الأسماء، فلا هم وجدوا لها تعريفا في العربية ولا هي بقيت على أصلها الأمازيغي ما نتج عنه تفسير لأسماء الأماكن تفسيرا إعتباطيا وعشوائيا، جعل هؤلاء لا يعتمدون في أبحاثهم على الكتابات السابقة لأنهم يرونها كتابات تداخل فيها السياسي بالإديولوجي وبالتالي فقدان مصداقيتها العلمية.
دراسة تحليلية لإسم إبرشانن
من المدونين الأوائل الذين أشاروا الى إسم البركانيين هو المخبرالفرنسي أوجيست مولييراس في كتابه ” المغرب المجهول” لتليها كتابات أخرى وهي عبارة عن تقارير عسكرية ( نملك نسخا منها) تعود للصحافة ألإسبانية، وذلك بدءا من سنة 1909م، إلا أن هذه الأخيرة كانت تكتب الإسم بالحروف اللاتنية على هذا الشكل “إبركانن”أما ألإشارات الأخرى عن الإسم فهي موجودة في سجلات الدولة ويرسم في الوثائق الإدارية على هذا النحو ” البركانيين”.
ويعتبر السيد مولييراس من المفسرين ألأوائل الذين شرحوا أن إسم البركانين يعني “السود” وقد ذكر في كتابه المغرب المجهول الصفحة 176 عبارة “..أما البركانيين فهو إسم أمازيغي يعني السود” إلا أن هذا الأخير لم يقم بدراسة أو بحث أكاديمي يمكناه من معرفة خبايا القواعد وأسرار معاني الكلمات في اللغة المحلية، بل كل كتاباته كانت عبارة عن إخبار وسرد أحوال المجموعات البشرية وخير دليل على ذلك هو تفسيره لإسم إبرشانن على أنه يعني السود علما أنه لا يوجد ولو شخص واحد ينتمي لمنطقة كبدانة له بشرة سوداء فمن أين جاء مولييراس بهذا الإسم رغم إحتكاكه بأهالي المنطقة لمدة طويلة؟.
وجوابا على هذا السؤال نرى أن السيد موليراس لم يكن متمكنا من اللغة المحلية زيادة الى إعتماده على الوثائق المخزنية لذاك العهد، وعليه كان يعتقد أن أبرشان و ؤبرشان إسمين لهما نفس المعنى إلا أنهما يختلفان لفظا ومعنى، فيذهب السكان المحليون الى تسمية أبرشان “للأسود” – و- ؤبرشان “للمستقر” كما أن جميع الأسماء التي تبتدأ بالحرف ؤ- والذي يتحول أحيانا الى ذو- تستعمل في اللغة الأمازيغية للإنتساب الى العائلة أو الى المكان فيقال ؤبرشان أي من ينتسب الى ” إبرشانن” (المستقرون) وحينما نستفسر إبن المنطقة عن هويته ونقول له ” شك ماذ ؤ برشان فهو لا يفهمها على أنك تقول هل أنت من السود بل يفهمها على أنك تقول هل أنت من المستقرين والملازمين للأرض. ولا تستقيم المعنى في السؤال ألأول ( هل أنت من السود) لكون المتلقي أبيض البشرة إثنيا أبا عن جد، ولا ننكر أن جمع أبرشان هو إبرشانن (السود) إلا أن حرف ال( ش) ينطق كما هو في اللغة العربية في حين إبرشانن ( المستقرون) فينطق حرف ال( ش) في هذه الحالة كما هو في اللغة ألألمانية.
ولمعرفة معنى ” إبرشانن” في اللغة الأمازيغية المحلية فهي تعني ” المستقرون والملازمون للأرض” وهو اسم جاء من فعل ” إبرش ” بمعنى إستقر ولازم ألأرض ونقول ” إبرش تامورت” بمعنى لازم الأرض دون تحرك وحتى بالعامية المغربية يقال كذلك ” برك لرض” وهي تحمل نفس المعنى أي لازم الأرض دون التحرك من مكانه..
أما من ناحية تاريخية الإسم، فيحكى أن قبيلة إبرشانن بكبدانة كانت ولازالت تعتبر من أقدم القبائل التي إستقرت بالمنطقة ولم تحاول يوما الهجرة الى المناطق الأخرى المجاورة، بل فضلت البقاء رغم التقلبات المناخية الصعبة وقساوة الظروف المعيشية، ونعتقد أن هذه ألأسباب كانت كافية أن يسموا بإسم إبرشانن والذي يعني المستقرون والملازمون للأرض وليس السود كما يعتقد الكثيرون..
أخيرا وكملاحظة بسيطة، فإن إسم إبرشانن أطلق في صيغة الجمع على المجموعة السكانية التي كانت تقطن هذا المجال الجغرافي، ما جعل المفرد منه يطلق عليه ؤبرشان وهو بمعنى إسم الفرد المنتمي للمجموعة البشرية المسمية إبرشانن.
نورالدين شوقي باحث في التاريخ والتراث الكبداني .
للاسف نحن نرى اسماء القبائل والمداشر يتم تعريبها دون استشارة اهل المنطقة،فمثلا قبيلة (إهذراوين) اصبحت تكتب (لهدارا)،(أيشرويضن)اصبحت (الشراويط)ودوار (احدوثن)اصبح يكتب (الحداويين).للاسف من ساهم وتواطأ في تشويه هذه الاسماء هم مسؤولون ومنتخبون من ابناء المنطقة.
رائع جدا…..كان من المفترض أن تبقى كل الأسماء على أصلها،وتكتب على سبيل المثال باللغتين الأمازيغية و العربية مثلا جماعة إبرشانن بجنب (جماعة البركانيين)
وشكرا للأخ نوردين شوقي على مجهوداتك وكذلك زايو ستي.
عودة موفقة أخي شوقي إشتقنا الى مواضيعك الهادفة والعلمية
وهل من مزيد تحياتي
مقال جيد يستحق القراءة مرات عديدة خاصة وأنه يطرق إلى ظاهرة غريبة تحدث في بلدنا
وهي إستبدال أسماء الجغرافيا خاصة في المناطق الناطقة بالأمازيغية. شكرا سي نورالدين
دائما التميز.. وأحيي فيك شجاعتك على طرح مثل هذه المواضيع المفيدة.
صيام مبارك للجميع
ayuz tawmat noredine xaf tezmmar nec i tegged di iyer n amzruy n chebdan n tadech tanmirt fellak attas ak an snumerr zaiocity net ayuz marra kaniw, tawmat negh agg zaio –
ayuzzz.. tawmat chaouki almawdou3 jid mohim tahayati
slm. ya akhi youjad f kabdana wa fi eberchanen khassatan man hom soud al bachra. wa chokran
إإلى السيد القدوري
أعطيني إسم لشخص واحد أسود البشرة من البركانيين سأتوقف نهائيا عن الكتابة إبتدءا من اليوم وإلى الأبد
تحياتي بروفسور وشکرا علی المجهودات التی تقوم بهافتراضات