زايو سيتي.نت – نورالدين شوقي
تمــــــهيد
تتسم الظواهر الثقافية والإجتماعية في المجتمعات التي عرفت تجمعاتها السكانية
إستقرارا مطولا بالتنوع والتعدد والتغيير من حيث تكييفها مع كل مستجد طبيعيا
كان أو إجتماعيا أو ثقافيا، كتلاقح اللغة وتكييف الثقافة وتعايش الديانات.
إذا إستحضرنا تاريخ منطقة زايو والنواحي أثناء الإحتلال عامة،من خلال ما تركه
لنا أجدادنا من حكايات مؤلمة مع التواجد الإسباني العسكري،ومن روايات تحكي لنا عن حدوث تمازج بين العناصر المكونة للتركيبة البشرية للمنطقة، من حسن جوار،وحركة تجارية،وأعمال خيرية وإنسانية،بين السكان الأصليين ذات الغالبية المسلمة ووافدين من يهود ومسحيين إسبان.
وحين نستحضر مختلف هذه الأبعاد،فإن المتأمل لهذا المجال الطبيعي والتاريخي
والثقافي،يرى فيه في نفس الوقت،الإنفتاح على ثقافات الغير وتعايش الديانات
الوافدة عليه و المحيطة به…إلا أن الكثير يرى أنه كان إحتلالا مهما حاولنا تنميق صورة الوضع أنذاك،وتعايش أبناء المنطقة مع الوافدين كان مفروضا لضروفهم المعيشية الصعبة المتزامنة مع فترة الإحتلال ومواسم الجفاف المتتالية…وعليه إستسلم إنسان المنطقة للواقع وأصبح مرغوما أن يكون عنصرا منتميا للوحدة المستمرة، المكونة طبعا من أهل الكتاب:مسلمي،ويهود،ومسيحيين.
كيف تعايشت الديانات الثلاثة في زايو؟ كيف يمكن التأريخ للتواجد المسيحي واليهودي في زايو؟ وهل عرفت منطقة زايو صراع ديني أثناء التواجد الإسباني؟
هذه إستفهامات وغيرها،تشكل عصب ملفنا الخاص عن كيفية تعايش الديانات في زايو؟
ـ عن اليهود والديانة اليهودية في زايو
إن الوجود اليهودي في زايو لم يظهر إلا مع ظهور الإحتلال الإسباني للمنطقة
ومتزامن مع فترة تواجده ،وقد إستقدمه هذا الأخير ليلعب دوره المنفعي،ورغم قلة هذه الطائفة إلا أنها كانت توصف بالمهمة،ومهما تشبث اليهود بثقافتهم وطقوسهم التعبدية إلا أنهم لم يحملوا على عاتقهم نقل أيمانم وعقيدتهم الدينية إلى الأخرين بالقوة ولا هموم نشرها بين السكان بتلك الحماسية التي كانت وما زالت موجودة حاليا بين المسلمين والمسيحيين اللذين يرون أنه جزء من الواجب والرسالة.
لم يسجل أي شكل من أشكال المضايقات والعداء،بل تعايشوا تدريجيا مع الواقع أنذاك،إذ سمحت لهم الإدارة السياسية الإسبانية بتأدية شعائرهم وطقوسهم الدينية في حدود المسموح به مرعاة لهم لمساهماتهم الكبيرة في تنشيط الحياة العامة وتحريك مرافقها المختلفة ولدرايتهم بفنون التجارة والحرف،ولكونهم يعدون دائما ممولا هاما للخـــــــــــزينة.
كانت علاقة اليهود بمسلمي ومسيحي زايو،علاقة تجاور وتساكن وتكامل إقتصادي كما كان يعرف عن ديانتهم اليهودية أن فيها شرائع تنضم حياتهم،فمنها ما يحدد أساسيات الملبس،إذ كنا نجد اليهوديات في زايو يلبسن لباسا فيه إحتشام كما كانوا يحتفلون بالأعياد الدينية والأعراس ويعتبر ذالك اليوم يوم إجازة ويغيبون عن العمل،إلا أن الأعراس كانت تختلف كثيرا عن أعراس اليهود المغاربة المتأصليين الذين تأثروا بالثقافة المغربية واندمجوا فيها لقرون طويلة.ما سجلناه من خلال شهادات من عايشوا الفترة هو أن يهود زايو كانو في نمط عيشهم يميلون الى الأسلوب الأوروبي وخاصة الإسباني،وهذا طبيعي لكونهم يهود ذات هوية إسبانية،إلا أنهم كانوا يختلفون كثيرا مع المسلمين والمسيحيين في عادات كثيرة خاصة الطقوس الدينية،ولكنهم كانوا يتفقون مع مسلمي منطقة زايو في عادات كثيرة خاصة طريقة غسل الميت ومراسيم الدفن،وللقبر اليهودي “شاهد” يختلف تماما عن المسلم والمسيحي،كما كانت لهم مقبرة خاصة بهم أمام ما بات يعرف اليوم بقنطرة سيدي عثمان.
ورغم إيمان هذه الطائفة بالتوراة والتلمود،إلا أنهم ذهبوا إلى وجوب تفسير النصوص المقدسة في ضوء المعارف العلمية الحديثة والثقافة المعاصرة ،فهم لم يهتموا كثيرا بالطقوس ولكنهم كانوا يمارسون العادات،ولا نعلم شيء عن مكان خاص للعبادة لليهود وأداء شعائرهم الدينية رغم محاولاتنا المتكررة البحث في هذا الموضوع.من عادات اليهود تكريم أوليائهم الصالحين من ذوي الكرامات العظيمة،إلا أننا لم نلاحظ أي ضريح أو مزار موجود في المنطقة يزار من قبل هذه الطائفة.
ـ النصارى الإسبان والديانة المسيحية في زايو
لقد تدفقت أعداد مهمة من الجيوش غداة الإحتلال الإسباني لمنطقة زايو والنواحي1921،بعدها تلتها أفواج بشرية أخرى من عائلات الجنرالات ومواطنين إسبان الراغبين في عيش كريم ذات إمتيازات ولو على حساب المحتل،حاملين معهم ثقافتهم وعاداتهم وطقوسهم الدينية المتمثلة في المسيحية طبعا.فلدى وصولهم عمروا المنطقة وكونوا تجمعا أثرت وتأثرت بمحيطها وبيئتها فغدت مكونا وازنا وفاعلا.لقد إهتمت الإدارة السياسية الإسبانية كثيرا بالشأن الديني وحاولت فصل الدين عن السياسة،إذ عمدت إلى بناء كنيسة خاصة للمسيحين الإسبان في زايوأمام ما بات يعرف اليوم ب (البارك وسط المدينة) من الجهة الشرقية،ولعب رجال الدين دورا مهما في تحسين صورة الديانة المسيحية التي تتسم بالتسامح والتعامل مع بقية المتدينين بالديانات الأخرى بالمحبة وعدم نبذ الأخر المختلف عقيدة ولونا وأن المحبة هي الشعارالرئيسي للدين المسيحي،لذا لجأت الكنيسة إلى القيام بأعمال خيرية للساكنة،كإستقبال المرضى في المستوصف ومداواتهم دون تمييز وحضانة الأطفال اليتامى وتأسيس جمعيات خيرية لتقديم العــــــون.
كان للمسحيين الإسبان في زايو عادات تختلف عن المسلمين واليهود إذ كانوا يحتفلون بأسبوع كامل كان يعرف “بالأسبوع المقدس” وبعيد ميلاد عيسى عليه السلام ويختلفون معهم في كيفية تأدية الصلاة،إذ كان القس هو الذي يتكلف بإقامتها وغالبا كان رجال الدين يأتون من فينة لأخرى من مدينة مليلية ولباسهم يختلف تماما عن المؤمنين الحاضرين داخل القاعة،وكانوا يحظون بإحترام زائد وبوضع إجتماعي متميز،إلا أن الكنيسة هدمت من طرف المواطنين بعد إنسحاب القوات الإسبانية من المنطقة ويعزى هذا الأمر ربما إلى الإنتقام من كل مخلفات الإستعمار دون تدخل أي قوة لمنع ذالك،وبقي الحدث مجهول الأسباب إلى حد الأن؟؟؟
وكان للمسيحيين الإسبان مقبرة يدفنون فيها موتاهم أمام قنطرة سيدي عثمان وللقبر”شاهد”عبارة عن صليب كعلامة للدفينة.
ـ علاقة أصحاب الأرض المسلمون بالديانات الوافدة في زايو
لم يحدث أن عرفت المنطقة أي صراع ديني،بل كل الحجج تشير إلى إلإنسجام داخل التركيبة البشرية لزايو والنواحي الذين كانوا يتدينون بالدين الإسلامي ومتشبثين بقيمه السمحاء،فعاشوا مع اليهود والنصارى المسيحيين في ود و”سلام” حضاري رفيع،ولأن الإسلام لا ينكر الأديان الأخرى بل يشجع التعايش معها في أمان وسلام وواجب الإيمان لجميعها وجميع الرسل وعدم التفرقة بينهم.إلا أننا ما لاحضناه من خلال الروايات الشفهية،أنه كان شبه غياب للمماراسات التحقيرية والإكراهات الدونية بين المؤمنين بالديانات الثلاث،لكن ما سجلناه من خلال نفس الشهود،أنه حينما كانت الأزمة تشتد سواء كانت سياسية أو إقتصادية أو وبائية،فإنها كانت لا تضرب الجميع بنفس القوة،بل أنها في الغالب تعصف بالمسلمين بشكل أكثر و أشد،وعام الجوع في زايو1945كان نموذجا،إذ كان أهالي المنطقة هم الظحايا الأوائل دائما.لم يسجل أي منع من طرف القوات الإسبانية فيما يخص تأدية الشعائر الدينية لدى مسلمي المنطقة،ولا فرض أكل الطعام الحرام وكانوا يؤدون صلواتهم في حرية تامة ويحتفلون بالأعياد الدينية،كعيد الأضحى مثلا …ورغم إحترام الإحتلال للأماكن الخاصة للعبادة وذالك لحساسيتها،إلا أنها ذهبت إلى تكوين خليات من أتباع المخزن كانت تعرف أنذاك بإسم”لخبارجية” ومهمتها نقل ما يدور من الأخبار في المساجد والأسواق ونقلها إلى الإدارة السياسية الإسبانية بمباركة المخزن أو العكس.
كانت نضرة مسلمي المنطقة إلى الطائفة اليهودية،نضرة ذات رؤية تاريخية إذ تعايشوا مع اليهود لقرون طويلة،عكس الإسبان الذين يرون على أنهم غزاة ومحتلين للأرض وغير مرغوب فيهم،إلا أنه من خلال الروايات، فرجال الدين المسيحيين لهم صورة جميلة في ذاكرة سكان المنطقة بما عرف عنهم بكثرة الخير فيهم وخاصة الأخوات القديسات.
ـ خاتمة
نحن هنا لا نتحدث عن تاريخ اليهود والمسيحيين،بل عن تاريخ زايو بيهوده ومسيحييه بدون إستثناء عنصر من العناصر الأساسية التي ساهمت في تاريخ المنطقة،وهذا هو المعنى الحقيقي للذاكرة الجماعية بمفهومها الصحيح المتعارف عليه كونيا من قبل سائر الشعوب والأمم.
الدين واحد وليس ديانات! !!!
الدين الإسلامي هو الدين الصحيح المطلوب من أهل الأرض، قال الله تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ[1]، وقال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ. الآيات
Cher Si Chawqi.
Merci pour les articles historiques sur notre ville Zaio. Dans l’article ci-dessus vous dite que
إلا أن الكنيسة هدمت من طرف المواطنين بعد إنسحاب القوات الإسبانية من المنطقة…..je crois si vous parlez de l’église près du petit parc, elle n’a pas été détruite par les citoyens et elle était encore debout dans les années 60 . J’ai lu qu’elle a été vendue par le Vatican qui en est responsable. À moins que vous parliez d’une autre eglise que j’ignore.
En tout cas merci pour tes articles fort instructifs.
Salam.