تدخل الوساطة الأميركية بين المغرب والجزائر لحظة حاسمة، مع اقتراب اكتمال مهلة الستين يومًا التي حددتها واشنطن لإحراز تقدم ملموس في مسار تخفيف التوتر بين البلدين، مهلة وُصفت منذ الإعلان عنها بأنها طموحة، إن لم تكن محفوفة بالمخاطر، بالنظر إلى عمق الخلافات السياسية وتراكمات القطيعة الدبلوماسية، خصوصًا في ما يتعلق بملف الصحراء المغربية.
الإدارة الأميركية، التي أعلن مبعوثها ستيف ويتكوف في منتصف أكتوبر الماضي عن هذا الأجل الزمني، كانت تدرك منذ البداية أن الرهان لا يتعلق بصناعة “صلح تاريخي” بقدر ما يهم اختبار قابلية الطرفين للانخراط في دينامية سياسية جديدة، ولو بالحد الأدنى، تسمح بإعادة فتح قنوات التواصل وتفادي الانزلاق نحو مزيد من التصعيد.
ويرى محللون أن المقاربة الأميركية لا تستهدف حلًا نهائيًا للنزاع المغربي الجزائري، بل تسعى أساسًا إلى “إدارة التوتر” وضبط إيقاعه، بما يخدم أولويات واشنطن الإقليمية، فاستقرار شمال إفريقيا بات عنصرًا حساسًا في الحسابات الأميركية، في ظل تنامي التنافس الدولي، وتزايد المخاطر الأمنية في الساحل، وارتباط المنطقة بسلاسل الطاقة والهجرة.
على مستوى المواقف، يعتقد خبراء ان الهوة بين البلدين تبدو أعمق من أن تُردم في أسابيع، فالمغرب يواصل التشديد على مقترح الحكم الذاتي كحل وحيد وواقعي لملف الصحراء، مستندًا إلى دعم دولي متنامٍ، وإلى اعترافات سيادية وازنة، ما يمنحه هامشًا تفاوضيًا مريحًا نسبيًا.
في المقابل، لا تزال الجزائر ترفض الانخراط في أي مسار تفاوضي مباشر، متمسكة بخطاب “عدم المعنية”، رغم كونها طرفًا مركزيًا في النزاع بحكم الواقع السياسي والدبلوماسي، هذا الرفض لا يبدو تكتيكيًا أو ظرفيًا، بل يعكس خيارًا استراتيجيًا مرتبطًا باعتبارات داخلية وإقليمية، تجعل أي تراجع مكلفًا على مستوى الخطاب الرسمي.
مع اقتراب انتهاء الأجل المحدد، تبرز ثلاثة سيناريوهات رئيسية، فبحسب خبراء فإن الأول يتعلق بالاختراق المحدود وهو السيناريو الأكثر ترجيحًا، ويتمثل في إعلان أميركي عن “تقدم تقني” أو “إيجابي”، دون الكشف عن تفاصيل ملموسة، مثل إعادة قنوات تواصل غير معلنة، أو التوافق على إجراءات بناء ثقة محدودة. اختراق يُسوَّق دبلوماسيًا، لكنه لا يرقى إلى تحول سياسي حقيقي.
السيناريو الثاني يتعلق بتمديد المهلة بصيغة جديدة، إذ في حال غياب أي مؤشرات تقدم، قد تلجأ واشنطن إلى تمديد غير معلن للوساطة، مع تخفيف سقف التوقعات، وتحويل المسار إلى جهود هادئة بعيدة عن الأضواء، تفاديًا لإعلان فشل صريح يُحسب على الدبلوماسية الأميركية.
أما السيناريو الثالث فيرتبط بالجمود المُعلن وهو السيناريو الأقل تفضيلًا أميركيًا، لكنه يظل ممكنًا، ويقوم على الاعتراف بعدم نضج الشروط السياسية لأي اختراق، مع تحميل الأطراف مسؤولية استمرار القطيعة، والاكتفاء بإدارة تداعياتها أمنياً دون استثمار سياسي إضافي.








