سعيد قدوري
لا تزال فاجعة انهيار عمارة بمدينة فاس تلقي بظلالها الثقيلة على الرأي العام الوطني، بعدما أسفرت عن وفاة ما لا يقل عن 22 شخصا إلى حدود اليوم، مع ترجيحات بارتفاع الحصيلة، في حادث هز الضمير الجماعي وطرح أسئلة مؤلمة حول البناء العشوائي، وضعف المراقبة، ومسؤولية الجهات المعنية.
هذه المأساة أعادت إلى الواجهة مخاوف حقيقية تعيشها مدينة زايو، وبالضبط بالمنطقة الشرقية للمدينة، قرب الثانوية التأهيلية زايو، حيث شهدت السنوات الأخيرة توسعا عمرانيا تم في جزء كبير منه بشكل عشوائي، عبر ما بات يعرف بـ”التجزيء السري”، في ظل ما تصفه مصادر محلية بـ”غض الطرف” من طرف الجهات المسؤولة عن المراقبة والتتبع.
الخطير في الأمر أن هذه المنطقة نفسها سبق أن كانت موضوع تقرير تقني حذر من احتمال تعرضها لفيضانات طوفانية في حال تسجيل تساقطات مطرية قوية بالمرتفعات الجبلية المقابلة، وهو معطى كان يفترض أن يدق ناقوس الخطر ويفرض إجراءات استباقية صارمة. غير أن الواقع، بحسب متابعين للشأن المحلي، سار في اتجاه مغاير، حيث استمر البناء والتوسع دون معالجة جوهرية للمخاطر المحتملة.
ما وقع في فاس يجب أن يكون جرس إنذار حقيقيا، لا مناسبة عابرة للبكاء على الضحايا ثم طي الصفحة. ففي المدينة العلمية، لم تبدأ التحقيقات إلا بعد وقوع الفاجعة، وشملت الشيخ والمقدم والباشا ومسؤولين آخرين. لكن، ورغم أهمية المحاسبة، فإنها لا تعيد الأرواح التي أزهقت ولا تمحو آلام العائلات التي فقدت أبناءها تحت الأنقاض.
في زايو، لا يمكن تكرار السيناريو ذاته. المطلوب اليوم هو تحرك فوري وجاد من طرف عمالة إقليم الناظور والسلطات المحلية المختصة، للتحقق ميدانيا من حقيقة المخاطر المرتبطة بهذه المنطقة، ومدى جاهزية البنية التحتية لتصريف المياه، وإمكانية تعرض الأحياء حديثة البناء لسيول جارفة.
وإذا ثبت وجود تهديد فعلي، فإن الواجب يفرض فتح تحقيق عاجل، لا بعد فوات الأوان، لمساءلة كل من تورط في التجزيء السري، أو سهل، أو غض الطرف عن خرق القانون، لأن الأمر لا يتعلق بمخالفات إدارية عادية، بل بأرواح مواطنين وممتلكاتهم ومستقبل أحياء بأكملها.
إن دروس فاس باهظة الثمن، لكن تجاهلها سيكون أكثر كلفة. وزايو اليوم في حاجة إلى قرارات شجاعة، سريعة، ومسؤولة… قبل أن تتحول المؤشرات إلى مأساة جديدة، لا قدر الله.








