أعاد وزير العدل السابق والقيادي في حزب التجمع الوطني للأحرار، محمد أوجار، إشعال النقاش السياسي في المغرب عقب تصريحات وصفت بالقوية وغير المسبوقة، أدلى بها خلال لقاء سياسي بالرباط، كاشفا فيها عن ما اعتبره اختلالات عميقة تضرب جوهر الممارسة الديمقراطية على المستوى المحلي.
وأطلق أوجار عبارة صادمة حين قال إن “الدولة تحكم والمنتخبين يوقعون فقط”، في وصف مباشر لاختلال ميزان السلطة بين المنتخبين وممثلي الإدارة الترابية، معتبرا أن سلطة القرار الفعلي توجد بيد الولاة والعمال، بينما تحولت صلاحيات رؤساء الجماعات إلى مهام شكلية أكثر منها تدبيرية.
وأوضح أن الأحزاب السياسية باتت تتحرك ضمن هامش ضيق، وأن المنتخبين لا يتحكمون إلا في أقل من 10 في المائة من الميزانيات، فيما تظل السلطة الحقيقية بيد الإدارة. وتساءل مستغربا: “كيف يمكن لرئيس جماعة أن يستمر لسنوات طويلة في ممارسات غير قانونية دون محاسبة؟ ومن يراقب الصفقات؟ ومن يملك القرار الفعلي؟”.
وأكد أن المجالس المنتخبة لا تتحرك إلا بتوجيه من ممثلي السلطة، وأن رؤساء الجماعات لا يتخذون أي قرار عملي إلا بعد الضوء الأخضر من الإدارة، في شهادة تعكس، بحسب متابعين، حالة احتقان صامتة داخل المشهد السياسي بسبب تضييق هامش القرار أمام الفاعل المنتخب.
وفي جانب أكثر حساسية، تطرق أوجار إلى غياب آليات واضحة لمحاسبة الولاة والعمال، رغم تدخلهم الواسع في تدبير عدد من الجماعات، مقابل سرعة مساءلة المنتخبين قضائيا عند أي تجاوز، وهو ما يطرح، وفق مضمون تصريحاته، إشكالا حقيقيا في ميزان الرقابة والمسؤولية.
وانتقد المتحدث استمرار هيمنة البيروقراطية التقليدية، معتبرا أنها ما تزال خاضعة لمنطق إداري قديم صمم لمقاومة التغيير أكثر من مواكبته، ما يشكل عائقا أمام أي إصلاح ترابي فعلي.
وفي حديثه عن ملف الأقاليم الجنوبية، شدد أوجار على أن المرحلة تفرض إصلاحات عميقة تشمل مراجعة دستورية جديدة، وإعادة بناء منظومة الحكامة، وإفراز نخب سياسية قادرة على قيادة التحولات القادمة. ولفت إلى مفارقة واضحة في النموذج الديمقراطي، حيث تتمتع الأقاليم الجنوبية بهامش واسع من التدبير الجهوي، بينما تعيش باقي الجهات تحت وصاية صارمة.
كما وجه انتقادات لاذعة للمؤسسة التشريعية، معتبرا أن البرلمان لم يعد منصة حقيقية للنقاش السياسي، في ظل ارتفاع كلفة العمل السياسي، ما فسح المجال لهيمنة رجال الأعمال على المقاعد، وتراجع حضور الشباب والنساء الذين يغادرون التجربة غالبا بعد ولاية واحدة.
وجاءت هذه التصريحات لتثير موجة واسعة من التفاعل، بالنظر إلى صدورها من داخل الحزب الذي يقود الأغلبية الحكومية، الأمر الذي اعتبره متابعون بمثابة جرس إنذار حقيقي حول أعطاب اللامركزية والحكامة الترابية.






