بقلم: سعيد قدوري
في الوقت الذي كانت فيه ساكنة إقليم الناظور تنتظر بفارغ الصبر اكتمال مشروع تثنية وتقوية الطريق الرابطة بين جماعة أركمان ومدينة الناظور وميناء الناظور غرب المتوسط، باعتباره مشروعا تنمويا استراتيجيا من شأنه فك العزلة وتحريك عجلة الاقتصاد المحلي، جاءت النتيجة صادمة. فبدل أن يتحول المشروع إلى رافعة للتنمية، تحول إلى عنوان للفشل وسوء التدبير، بعدما ظلت الأشغال تراوح مكانها لسنوات، بوتيرة بطيئة وجودة مشكوك فيها، وكأن الهدف لم يكن يوما خدمة المواطن، بل هدر الزمن والمال العام في وضح النهار.
مشهد البارحة كان صادما بكل المقاييس: قنطرة مؤقتة على الطريق الساحلية بين أركمان والناظور تنهار بالكامل تحت وطأة أولى التساقطات المطرية. مياه الأمطار غمرت القنطرة وجرفت أجزاء منها، لتقطع الطريق الحيوي الذي يربط جماعات بأكملها بمدينة الناظور. هكذا، في لحظة، تحولت الوعود الكبرى إلى عزلة قاسية، وأصبح المواطن هو الضحية الأولى.
ما يجري ليس مجرد انقطاع طريق، بل هو مأساة اجتماعية بكل المقاييس؛ المرضى الذين يقصدون المستشفى الإقليمي أو المصحات الخاصة أصبحوا عاجزين عن الوصول في الوقت المناسب. الطلبة والتلاميذ الذين يعتمدون على هذا الممر للوصول إلى مؤسساتهم التعليمية وجدوا أنفسهم مضطرين لقطع مسافات إضافية عبر طرق بديلة طويلة ومتعبة عبر لهدارة وزايو، في رحلة يومية تستهلك الوقت والمال والأعصاب.
المؤلم في الأمر أن الجميع كان يعلم هشاشة القنطرة المؤقتة، وأن موسم الأمطار سيكشف المستور، ومع ذلك لم يتحرك أحد. مشروع القنطرة الدائمة أطلق منذ مدة، لكن الأشغال تسير بسرعة السلحفاة، بلا مراقبة، بلا محاسبة، وكأن الزمن لا يعني شيئا لمن أوكلت إليهم مسؤولية التنفيذ. واليوم، ومع غمر الوادي، لا يمكن استئناف الأشغال إلا بعد جفافه، أي انتظار جديد، ومعاناة مضاعفة.
أين هي الجهات المشرفة على المشروع؟ أين المراقبة التقنية؟ أين المحاسبة؟ كيف تصرف الملايين على مشاريع لا تصمد أمام أول اختبار طبيعي؟ هذه الأسئلة لم تعد ترفا، بل صرخة مواطنين سئموا من تكرار نفس السيناريو كل شتاء: وعود بالتأهيل، تباطؤ في الأشغال، ثم انهيارات وتبريرات جاهزة.
أمام هذا الوضع الكارثي، بات من الضروري اتخاذ تدابير استعجالية: منها؛ تسريع وتيرة الأشغال بمجرد انخفاض منسوب المياه، عبر تعبئة فرق إضافية للعمل المتواصل، توفير وسائل نقل جماعية عبر المسارات البديلة لتخفيف معاناة المواطنين، فتح تحقيق جدي لتحديد المسؤوليات ومحاسبة المقصرين، حتى لا تظل التنمية رهينة الإهمال والعبث الإداري.
الطريق ليست مجرد ممر للسيارات، إنها شريان حياة يربط الناس بمصالحهم، بصحتهم، وبمستقبلهم. والمشاريع التنموية ليست مجرد لوحات تدشين، بل التزام أخلاقي تجاه الوطن والمواطن. وما حدث في طريق أركمان–بوعرك هو جرس إنذار قوي بأن سوء التدبير أخطر من أي فيضان، لأنه يغرق الناس في العزلة واليأس، دون أن يتحرك ضمير أحد.








