في كل سنة يموت أطفال في عمر الزهور في مياه الاودية و السواقي الاصطناعية في المغرب العميق ، ويمر الخبر ممر الكرام ، وتتكرر المقولة المشهورة – انا لله وان اليه راجعون – دون الحديث عن الاسباب وعن الحلول وعن البدائل وعن المسؤوليات الاخلاقية والسياسية والاجتماعية .
هناك معطيات لابد من ذكرها حتى يعرف الرأي العام مدى اليأس والاحباط والهشاشة التي يعاني منها أطفال المنطقة ، ومن جهة أخرى هي مناسبة أخرى لتحريك ما يسمى بالسياسات العمومية والتي هي صمام الامان لمواجهة جميع متطلبات المواطنين خاصة الذين يمسهم التهميش بشكل مباشر ، وهنا وجبت الاشارة الى ضعف الدخل وذالك بحكم أن سكان هذه الجهة يعتبرون من أفقر الجهات في المغرب ، الترتيب الاخير مقارنة مع الجهات الاخرى .
نحن اليوم نتكلم على سكان المغرب العميق والذين يعانون الامرين ، الاول هو قلة الشغل ، وضعف المداخيل ، والثاني هو قلة البنيات التحتية والتي لها علاقة مباشرة بالمواطن واحتياجاته اليومية كالمسابح والملاعب والطرقات والنقل ودور الثقافة وحواجز الامان في الطرقات وعلى جوانب الاودية الاصطناعية ، وعلى ذكر المسابح ، تعرف المنطقة حرارة مفرطة في فصل الصيف ، كما تعرف المنطقة تدفق مياه غزيرة من الجبال ، لكن فكرة اٍنشاء مسابح مجانية لا تدور في فكر المجتمع المدني ولا في برامج المنتخبين ، مع العلم أن هؤلاء هم من يتحملون موت الاطفال في مجاري قنوات المياه والتي تتكرر كل سنة .
الاشكالية هنا ، هو أن المياه موجودة والضحايا موجودة ، والاسباب موجودة ، أما الحلول فهي موجودة أيضا لكنها تبقى بعيدة المنال ، والسبب هو غياب المجتمع المدني ، والذي لا يرقى الى درجة المرافعة و الدفاع عن حقوق المواطنين خاصة الطبقة التي تعاني في صمت نظرا لغياب السياسيات العمومية والتي تكون عادة من اقتراح المنتخبين .
كتبنا مقالا في الايام الماضية وشرحنا فيه أسباب تأخر التنمية في المغرب العميق والتي تعود الى المجتمع المدني ، والذي يتوارى الى الوراء في مثل هاذه الحالات ، وكذالك الجسم الصحافي والذي تهيمن عليه المحابات ، حيث يتجنب الحديث عن هذه المواضيع الحساسة لانها تمس مباشرة الطبقة المنتخبة .
فاٍذا كان المجتمع المدني غائب والجسم الصحافي يتغاضى عن مثل هذه الظواهر ، والمنتخبون لا يعيرون أدنى اهتمام لايجاد حلول مرضية وناجعة ، كل هذه الامور تجعل التنمية المستدامة بعيدة عن أرض الواقع ، وتجعل المواطن كشاهد على التاريخ ، عوض أن يكون مساهما فيما يسمى بالديموقراطية التشاركية .
كل هذه الامور تجرنا الى مايسمى بالتطبيع مع الركود السياسي والركود الثقافي وأيضا الركود الاجتماعي ، وهذه الامور مجتمعة تدفعنا الى تحصيل واحد يسمى بالفساد لدى المسؤولين وسوء التسيير والتدبير . مع العلم أن الفساد لا يعني فقط اختلاس الاموال العامة فقط ، حيث أن سوء التسيير والتدبير يعتبر أيضا فساد اٍداري محض وخالص .
هذا الركود السياسي يجعل كل ما هو ثقافي مشلول لا يقدر على المواكبة ، ويساعد على تنامي الشعور بالاحباط واليأس بين الساكنة كما يساهم في فقدان الامل وفقدان الثقة في كل الخطابات السياسية وفي كل مبادرة كيفما كانت ، وهنا بالدليل والحجة لم يتقدم ولو مواطن واحد من مراسلة عامل الاقليم ولا والي الجهة ، ولا وزير الشباب و الثقافة والاتصال ولا المديرية الجهوية للشباب ، مع العلم أن هناك برنامج يسمى – جواز الشباب – وهو برنامج طموح يسعى لتقريب خدمات الثقافة والرياضة والتسلية والترفيه من الشباب في ربوع المملكة ، وعلاوة على كل هذا تلح وزارة الشباب والرياضة والاتصال على ضرورة انخراط المجتمع المدني في استغلال الفرص التي تتيحها الديناميكية الاقتصادية في افق سنة 2030 .
في كل سنة مع اقتراب فصل الصيف تخصص أموال طائلة لتنظيم مهرجانات لتثمين كل ماهو ثقافي وسياحي ، ولا احد ينكر أهمية الحفاظ على الثقافة والتراث ، لكن يجب ان يكون توازن بين الحقوق الثقافية والحاجيات الاجتماعية ، ومنها ما ورد في المقال : كالمسابح والملاعب والطرقات والنقل ودور الثقافة وحواجز الامان في الطرقات وعلى جوانب الاودية الاصطناعية وتنظيم الاسواق واللائحة طويلة .
كل ما في الامر أن مراكز القرارات المركزية لديها جميع الارقام وجميع المحاضر وجميع التقارير وجميع الاحصائيات ، وأملنا كبير ، أن تكون اٍعادة النظر في مثل هذه الامور بجدية كبيرة ، مع العلم أن المرافق العامة تعكس تطور وازدهار الدولة ، هذه المرافق أساسية لتنمية المجتمع ، وتساعد على جودة الحياة وتعزيز الاساقرار.
محمد بونوار
كاتب مغربي








