بعد تفكير عميق… قررت أن أرد على صديقي العزيز الأستاذ محمد بوثخريط، ومن لا يعرفه؟!
استاذ محمد رجل بقلم من ذهب، يحمل في حروفه وهج ذاكرة المدينة، ووجعها، وأحلامها المؤجلة. قلمي المتواضع لا يضاهي جمال قلمه البراق، لكن ما دفعني للرد هو صدق الألم الذي حملته كلماته، وحرارة الحنين التي التمعت بين سطور مقاله “الساعة في الناظور تشير إلى زمن رمادي”.
نعم، صديقي، هي ساعة ثقافية ثقيلة، موحشة، وتكاد أن تتوقف إن لم نتداركها بأفعال لا بأقوال.
لقد أصبت بدقة في تشخيص الداء: فعاليات بلا جمهور، قاعات صامتة، صراعات عقيمة، غياب للنخب، وانقسام مرير بين المجموعات. لكن في مقابل هذا السواد، نحن مطالبون بإشعال شمعة، لا فقط بلعن الظلام.
اسمح لي عزيزي، من خلال مقالك الغني، أن أقترح بعض الحلول والمداخل، لعلها تسهم في رسم طريق للخروج من هذا النفق الرمادي اقول :
1.
دار الشباب ليست فقط مبنى إنها ذاكرة مشتركة. لكن لا يكفي أن نحِنّ، علينا أن نحول الحنين إلى فعل. لماذا لا يُعاد إحياء هذا الفضاء الرمزي من خلال مبادرات تطوعية؟ عروض، لقاءات، ورشات، يُدعى إليها الجميع بلا شروط ولا حسابات. دار الشباب يمكن أن تكون منطلق مصالحة ثقافية حقيقية.
2.
بدل أن نعاتب الجمهور على غيابه، لنسأل أنفسنا: هل خاطبناه بلغته؟ هل قدمنا له ما يلامس يومياته؟ الثقافة ليست ما نراه نحن نخبويا أو جميلا، بل ما يخلق تفاعلا حقيقيا مع الناس. لننزل من المنصة، ونجلس بين الناس، نستمع إليهم، وندعوهم لا كمستهلكين بل كمشاركين في صناعة الحدث.
3.
العمل الثقافي لا يمكن أن يبقى عشوائيا، موسميا، فرديا. نحن بحاجة إلى خارطة ثقافية للمدينة، تضمن التوازن بين الأنشطة، تنوع المواضيع، والعدالة في التوزيع الزمني والمكاني. نحتاج إلى مجلس ثقافي محلي أو هيئة مستقلة، تجمع الفاعلين وتنسق بينهم وفق رؤية مشتركة.
4.
من بين أكثر النقاط المؤلمة التي أثرتها هي الانقسام المجتمعي، حيث لا يحضر الناس الأنشطة فقط لأنها تنظم من طرف “الآخر”. هنا يجب أن نقولها بصدق: النجاح لا يُنقص من الآخرين، بل يُغنيهم. والاحتفاء بإنجاز ثقافي يجب أن يكون مكسبا جماعيا، لا مناسبة لتصفية الحسابات.
5.
غياب الإعلام المهني والمتخصص في المجال الثقافي بالناظور كارثة حقيقية. نحتاج إلى خلق منابر إعلامية محلية حرة ومسؤولة، تهتم بالإنتاج الثقافي وتغطيه بحس نقدي بناء، لا بمنطق الإشهار، ولا من باب الهدم.
6.
دعونا نُشرك الطفولة و الشباب لا في الهامش بل في القلب. لتكن هناك مبادرات يقودها شباب المدينة وحتى الأطفال، من داخل، المدارس ، الثانويات، الجامعات، الجمعيات، الأحياء. الثقافة حين تحملها أكتاف الشباب، تولد من جديد، وتكسب طاقة وحياة.
7.
الثقافة ليست فقط مهرجانات داخل القاعات. الثقافة في الشارع، في المقاهي، في الساحات، على جدران المدينة، في الأغنية، في الحكاية، في التفاعل الرقمي… لنوسع مفهوم الثقافة ليشمل جميع أشكال التعبير، ونكسر الجمود الذي يطبع الفعل الثقافي التقليدي.
صديقي محمد،
ما كتبته ليس مجرد مقال، بل صرخة حقيقية، رسالة تحذير، ونقطة نظام. وأنا أقول لك: الناظور لم يمت. ما زالت فيه أقلام تكتب، وأصوات تغني، وأرواح تؤمن بالجمال، لكنها تحتاج إلى من يوحّدها، لا من يشتتها.
الزمن الرمادي لا يُغيره الضوء وحده، بل أيضا الإرادة المشتركة، والحوار الصادق، والتخلي عن الأنانيات الصغيرة. فلتكن هذه السطور بداية هذا المسار وإن كانت الكلمات لا تكفي، فلتكن الأفعال القادمة شاهدة.
دمت صوتا للمدينةوللثقافة التي نريد.
محبتي الأبدية
تلميذك
جمال الغازي