أصدرت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الجزائرية، توجيهات إلى الأساتذة الجامعيين المتخصصين في التاريخ، بعدم التصريح لوسائل الإعلام الأجنبية، وفق ما جاء في وثيقة داخلية صادرة عن إحدى الجامعات، وذلك في سياق حرب تخوضها البلاد ضد الروايات التاريخية التي يتبناها النظام.
وحسب الوثيقة الصادرة عن كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية، التابعة لجامعة حسيبة بن بوعلي بالشلف، فإن الأمر يتعلق بتعليمة داخلية موجهة إلى أساتذة قسم التاريخ، بعدم التصريح لوسائل الإعلام الأجنبية، وهو الأمر الذي يأتي بالتزامن مع سجن الكاتب بوعلام صنصال، المؤرخ محمد الأمين بلغيث، وإصدار مذكرتي اعتقال دوليتين في حق الكاتب كمال داوود.
واعتبرت الوثيقة أن التعليمات تأتي “عملا بالتعليمات التنظيمية المعمول بها في مؤسسات التعليم العالي، وحرصنا على حماية صورة المؤسسة وضمان انسجام الخطاب الأكاديمي مع التوجيهات الرسمية للدولة”.
ودعت الوثيقة جميع أساتذة قسم التاريخ بالكلية إلى الامتناع عن الإدلاء بأي تصريحات أو إجراء مقابلات مع وسائل الإعلام الأجنبية المرئية أو المسموعة أو المكتوبة أو الإلكترونية دون الحصول على ترخيص مسبق وصريح من الإدارة.
وتشديدا على ضرورة احترام ما جاء في التعليمة أوردت الجامعة أن كل تصريح خارج هذا الإطار يعد “خرقا للإجراءات الإدارية وقد يعرض صاحبه للمساءلة التأديبية وفقا للتنظيمات المعمول بها”، مشددة على “التقيد الصارم بهذه التعليمة، مع فائق الاحترام والتقدير”.
وتحاول الجزائر محاصرة أي روايات تاريخية لا تخدم النظام الحالي، حتى ولو كانت موثقة، وهو أمر يأتي في إطار مساعيها لتسويق صورة مغايرة عن البلاد، في ظل ارتباط تأسيس الدولة بالاستعمال الفرنسي سنة 1962، إثر استفتاء لتقرير المصير.
وتعمل الجزائر، منذ وصول عبد المجيد تبون لرئاسة الجمهورية والسعيد شنقريحة لرئاسة أركان الجيش أواخر 2019، على نشر معطيات دعائية تتعارض مع التاريخ الموَثق، الأمر الذي وضعها في مواجهات مع العديد من الكتاب والمؤرخين، ويتعارض مع الإرث الثقافي لدول أخرى.
وكان ذلك السبب في اعتقال الكاتب الفرنسي الجزائري، بوعلام صنصال، الذي تحدث عن كون أجزاء واسعة من الشرق الجزائري كانت في الأصل تابعة للمغرب قبل أن يقتطعها الاستعمار الفرنسي، الأمر الذي أدى إلى الحكم عليه بالسجن 5 سنوات نافذة رغم سنه المتقدم.
وكان النقاش حول المعطيات التاريخية بخصوص الوجود الأمازيغي والعربي، السبب في اعتقال المؤرخ الأمين بلغيث، وهجوم الإعلام الجزائري الرسمي على الإمارات العربية المتحدة، بعد مشاركته في برنامج حوار عبر “سكاي نيوز”.
وقبل أيام تلقت السلطات الفرنسية إخطارا بإصدار القضاء الجزائري “مذكرتي توقيف دوليتين” في حق الكاتب الجزائري الفرنسي كمال داود الحائز على جائزة غونكور للعام 2024، وقالت محاميته إن دوافع ذلك “سياسية”، ولها علاقة بروايته الأخيرة “حوريات” حول مجازر العشرية السوداء.
وتعتبر المعلومات التاريخية أمرا حساسا جدا في الجزائر، بسبب تسويق النظام الحالي لمعطيات دعائية يستمد منها “شرعيته”، بما في ذلك مسألة اقتطاع أجزاء واسعة من المغرب وتونس وضمها للدولة الوليدة، التي أنشئت لأول مرة سنة 1962، باستفتاء لتقرير المصير بقرار من الرئيس الفرنسي شارل ديغول، بعد 132 سنة من الاستعمار الفرنسي، وقبله 312 سنة من التواجد العثماني.