مراد ميموني
يُحكى أن شارع محمد الخامس بالناظور، في زمن الاستعمار، كان أشبه بعروس البحر الأبيض المتوسط. تصطف الأشجار على جانبيه كما تصطف العساكر في الاستعراضات، أنيق، نظيف، مرتّب… حتى الاسبان والفرنسيون أنفسهم كانوا يسرحون فيه وكأنهم في “كان”، لا في مستعمرة.
ثم جاء الاستقلال… وجاءت معه لجان، ومجالس، ومشاريع، وخطط تنموية طموحة كأنها مقتبسة من كتب الخيال العلمي، لكن الشارع ظل على حاله… ثم تدهور. والآن؟ الآن هو مجرد رُكام عمراني، لوحة فنية من الحفر والمطبات، مرشحة لجائزة “اليونيسكو للتراث المنكوب”.
على مرّ السنوات، سمع المواطن الناظوري نفس الأسطوانة تتكرر:
“شارع محمد الخامس سيعرف إصلاحاً شاملاً!”
“تمّت زيارة لجنة تقنية لتقييم الوضع!”
“قريباً سترون تغييرات جذرية!”
لكن بعد كل هذه “الوعود المفروشة بالأسفلت”، اكتشف المواطن أن اللجنة التي زارت المكان ربما ضلّت الطريق… أو أنها حضرت لتصوير فيلم وثائقي عن التخلف الحضري في القرن الواحد والعشرين.
أما عن وكالة مارتشيكا، فيبدو أنها تعمل وفق التقويم المايا، حيث السنوات تُحسب بالألفيات، والنتائج لا تظهر إلا في الأحلام. مشاريعها المعلنة تشبه خطب السياسيين: منفوخة، براقة، لكنها لا تصمد في وجه مطر بسيط أو تساؤل منطقي، وحتى مديرها السابق عُفي من مهامه وعفا الله عما سلف.
وهنا نطرح السؤال: أين المحاسبة؟
أين تطبيق مبدأ “ربط المسؤولية بالمحاسبة” الذي نتغنى به كما يتغنى مشجعو الكرة بشعار “إن شاء الله نفوز”؟
أليس من المفروض أن من وعد وأخلف يُسأل، لا أن يُمنح منصباً أعلى أو لجنة أخرى؟ أو يوضع في “الكراج”، أم أن الشارع كُتب عليه أن يعيش في مسرح العبث، حيث تتغير الوجوه ولا تتغير الكوارث؟
في دول تُحترم فيها المدن، يُعدّ الشارع الرئيسي مرآةً للهوية، لكن في الناظور، شارع محمد الخامس تحوّل إلى مرآة عاكسة لفشل التدبير، وقلة الحيلة، وغياب الرؤية… و”تفلّي” المسؤولين.
نحن لا نطلب ناطحات سحاب، ولا شوارع ذكية تتحدث معك. نطلب فقط رصيفًا مستقيمًا، شجرة لا تموت بعد الزرع، ولوحة لا تتقشر بعد أسبوع. نطلب الاحترام، لا الأعذار.
فإلى أن تتحقق هذه المعجزة، ننصح كل من يسلك شارع محمد الخامس بأن يحمل معه خريطة طبوغرافية، وحذاءً عسكريًا، و”صبر أيوب”… لأن الطريق إلى المستقبل تمرّ عبر حفرة، ثم حفرة أخرى، ثم وعد… فخدعة.
ولاحول ولاقوة إلا بالله.