سجلت المواقع العالمية المتخصصة في رصد وتتبع تحركات سفن الشحن، انطلاق سفينة نقل البضائع “Captain Christos” في رحلة مباشرة من ميناء بجاية الجزائر نحة ميناء أشدود في إسرائيل في الأسبوعين الماضيين، تزامنا مع الجدل الدولي حول تلقي إسرائيل لشحنات أسلحة عبر سفن الشحن، حيث تتوجه أصابع الاتهام بالدرجة الأولى إلى سفن شركة “ميرسك” التي نفت ما تم تداوله.
ووفق موقعي “Vissel Finder” و”Marine traffic” المتخصصين في تتبع تحركات السفن الدولية للشحن بشكل دقيق، فإن السفينة المذكورة “كابتن كريستوس” توقفت في ميناء بجاية الجزائري في 11 أبريل الجاري، ثم أكملت الرحلة البحرية نحو ميناء أشدود بإسرائيل مباشرة ووصلت إليه في 18 أبريل الجاري، أي يوم الجمعة الماضي.
وتحمل هذه السفينة العلم الليبيري، ويرجح أنها أمريكية، حيث تلجأ العديد من الشركات الأمريكية وحتى العالمية، إلى تسجيل السفن تحت العلم الليبيري، بالنظر إلى المزايا القانونية والضريبية التي تُقدمها ليبيريا تحت ما يُسمى بـ”التسجيل المفتوح”.
ووفق مواقع متخصصة في أنشطة السفن، فإن هذه السفينة هي ناقلة للبضائع، مثل الحبوب والفحم والموائد السائبة، وتعمل أيضا في نقل البضائع من سفن الشحن الكبرى إلى الموانئ الصغيرة التي لا ترسو فيها سفن الشحن الكبرى، مثلما هو الحال بالنسبة للميناء الجزائري في بجاية.
ويثير رسو هذه السفينة في الجزائر ثم إكمال الرحلة البحرية مباشرة إلى إسرائيل، استغرابا كبيرا، وفق العديد من المهتمين بتتبع حركات السفن، بالنظر إلى أن الجزائر تُعلن رسميا دائما أنها لا ترتبط بأي علاقات مع “الكيان الصهيوني”، وهو الادعاء الذي يفترض على أساسه ألا تكون الموانئ الجزائرية معبرا للسفن التي تقصد إسرائيل كيفما كانت البضائع التي تحملها تلك السفن.
كما أن هذا العبور البحري لسفينة البضائع “كابتن كريستوس” من الجزائر إلى إسرائيل، يتزامن مع وجود حملات دولية كبيرة تدعو إلى عدم استخدام الموانئ الدولية لنقل البضائع التي يُشتبه في كونها تتضمن أسلحة، إلى إسرائيل، خاصة في ظل عدم وجود تأكيدات عن السفن التي تقوم “فعليا” بنقل الأسلحة إلى الجيش الإسرائيلي الذي يخوض حربا عدوانية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، مما يزيد من استغراب عدم منع الجزائر رسو هذه السفينة في ميناء بجاية.
من جهة أخرى، لا يُستبعد أن تكون سفينة “كابتن كريستوس” قد عملت على نقل بضائع من الجزائر إلى إسرائيل، خاصة أن مركز التقعيد الاقتصادي المتخصص في التجارة الدولية، والتابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بالولايات المتحدة الأمريكية، كشف في فبراير الماضي عن مبادلات تجارية موثقة بين الجزائر وإسرائيل منذ سنة 2017، تتجاوز قيمتها 30 مليون دولار.
ووفق الأرقام الخاصة بسنة 2017، فإن الجزائر صدرت إلى إسرائيل منتجات بقيمة 30,5 مليون دولار، وتصدرت شحنات “الهيدروجين” تلك البضائع، وذلك في إطار الصادرات الطاقية للبلد المغاربي الغني بالنفط والغاز الطبيعي.
ويعد مرصد التعقيد الاقتصادي OEC منصة موثوقة في مجال البيانات التفصلية للتجارة الدولية، بفضل شبكته الواسعة التي تغطي 500 موقع في العالم، و5000 مُنتج، بالإضافة إلى حصولها على بيانات آلاف الشركات.
وتبرز هذه المعطيات في سياق مرور محاولات تطبيع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين الجزائر وإسرائيل، من السر إلى العلن، بعد أن أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أن بلاده مستعدة للاعتراف بالدولة العبرية، في حال قيام دولة فلسطين.
وفي حواره مع صحيفة “لوبينيون” الفرنسية، الذي نُشر بتاريخ 3 فبراير 2025، سُئل تبون “هل ستكونون مستعدين لتطبيع علاقاتكم مع إسرائيل إذا أدى استئناف عملية السلام في النهاية إلى قيام دولة فلسطينية؟”، أجاب بوضوح مُفاجئ “بالطبع، في نفس اليوم الذي ستقوم فيه الدولة الفلسطينية”.
وتابع تبون “هذا هو مسارُ التاريخ، لقد أوضح أسلافي، الرئيسان الشاذلي (بن جديد) و (عبد العزيز) بوتفليقة، رحمهما الله، أنه لم يكن لديهما أي مشكلة مع إسرائيل، إن الأمر الوحيد الذي يشغلنا هو إنشاء الدولة الفلسطينية”.
وفي 2024 كشفت إحصائيات قاعدة بيانات الأمم المتحدة لإحصاءات تجارة السلع الأساسية (UN Comtrade) التي نشرها موقع “ترايدينغ إيكونوميكس” العالمي، أن صادرات الجزائر من إسرائيل في 2020 ارتفعت لتصل 9,77 مليون دولار، ثم واصلت ارتفاعها في سنة 2021 لتصل إلى 14,9 مليون دولار، وهي السنة التي كانت الجزائر قد وجهت فيها انتقادات كثيرة للمغرب على خلفية تطبيعه للعلاقات مع إسرائيل بدعوى أن تلك الخطوة تُشكل استهدافا لها.
وبالرغم من ذلك، فإن الصادرات الجزائرية نحو إسرائيل لم تتوقف عن الارتفاع، حيث قفزت لتتجاوز 21 مليون دولار في سنة 2022، في الوقت الذي كانت الصادرات المغربية نحو إسرائيل كانت قد سجلت تراجعات كبيرة، حيث انتقلت من أزيد من 64 مليون دولار في 2018 لتسجل فقط 10,2 ملايين دولار في 2020، أي سنة تطبيع العلاقات الثنائية.
كما أن سنة 2021 بلغت صادرات المغرب نحو إسرائيل 11 مليون دولار فقط، في حين كانت الجزائر قد سجلت حوالي 15 مليون دولار كصادرات إلى تل أبيب، وفي السنة التي تلتها أي 2022، بلغت صادرات المغرب نحو إسرائيل 17,9 مليون دولار، بينما صادرات الجزائر سجلت 21,4 مليون دولار.
وحسب “UN Comtrade”، فإن المواد التي تتصدر أبرز الصادرات الجزائرية نحو إسرائيل يتعلق الأمر بالمواد الكيماوية العضوية، ومركبات المعادن النادرة، في حين أن أبرز الصادرات المغربية نحو إسرائيل يتعلق الأمر بالخضروات والفواكه والمكسرات واللحوم والأسماك وغيرها.
وبخصوص ترتيب البلدان العربية الأكثر تصديرا لإسرائيل، فإن الجزائر تحتل المرتبة الرابعة، بعد الإمارات العربية المتحدة والأردن ومصر، في حين يحتل المغرب المرتبة الخامسة عربيا، والرابعة في القارة الأفريقية بعد كل من مصر وجنوب إفريقيا والجزائر.