سعيد قدوري
تعيش العديد من الأسر بمدينة زايو أزمة حقيقية تتمثل في إدمان أبنائها مختلف أنواع القمار، مما سبب لها متاعب أدخلت عائلات بأكملها دائرة الإفلاس الاجتماعي والاقتصادي، وهدد أسرا بالتشريد والضياع.
يحكى أن محلات القمار أثناء فترة الاستعمار كانت تتعرض بشكل دوري لهجوم من مقاومين مغاربة، لكون سكان البلد يعتبرونه حراما وجب محاربته، وينظرون له كآفة تهدد الاستقرار الاجتماعي للأسر المغربية.
غير أننا اليوم نعيش تطبيعا غير مسبوق مع مقاهي ومحلات القمار، فأصبح يلجأ إليها المواطن دون حرج وكأنه يقصد دكانا لبيع المواد الغذائية، فتناسلت هذه المحلات حتى أصبحت كالفطر بمدن صغيرة، مثل زايو.
هناك من الشباب والشيوخ بمدينة زايو من يلازم أماكن القمار من الصباح إلى المساء دون تحرك، وعيناه تراقب النتائج في حالة يكون معها أشبه بالذي تعرض للتخدير، فاتحا فيه إلى نهاية اللعبة، لينطلق مسلسل من الأسف عن لعبة ضاعت حسب صاحبها لافتقاده الحظ، مما يكون معه متشوقا لإعادة الكرة في الغد.
لا يعترف “القمارة” بفشلهم، ولا يرون في الأمر مضيعة للمال والوقت، بل فرصة للهروب من الفقر والحاجة، غير أنهم يقرون بأن لا أحد منهم “طفرها”، ولهم أمثلة عديدة على أصدقاء لهم باعوا كل ما يملكون ولم يحصلوا على أي شيء، ورغم ذلك إصرارهم على المزيد غير مفهوم.
يحفظ مدمنو لعبة “التيرسي” الشهيرة محليا، أسماء الفرسان المتبارين وأسماء الخيل كما يحفظون أسماء عائلتهم، ومنهم الخبير في السباقات وكأنه مدرب خيول، وفيهم المحلل الذي يعرف تفاصيل اللعبة بأكملها.
فترى الفاشلين في تحقيق “النجاح” يبررون ذلك وفق تفاصيل دقيقة وكأنهم موجودون بحلبات فرنسا حيث يجري التباري، وآخرون يوجهون اللوم لزملائهم ممن اقترحوا عليهم أرقاما لم تساعدهم على الفوز، ومدمنون آخرون يتطيرون من رؤية شخص ما لكونه نحس لم يسبق أن نجح في تحقيق “الربح” بحضوره.
أما مدمنو لعبة أخرى خصوصا تلك المتعلقة بأرقام “اللوطو” أو المرتبطة بلعبة كرة القدم، فحالهم لا يختلف عن مدمني “التيرسي”، فهم في سباق محموم يتجدد مع كل جولات اللعبة الأكثر شعبية في العالم، لتجدهم يتسمرون أمام شاشات التلفاز بالمقاهي في انتظار نتائج كروية لم تحقق لأصحابها غير مضيعة الوقت وصداع رأس لا ينتهي حتى بانتهاء اللعبة.
أما اليوم، فشباب زايو أُبتلي بلعبة “الماشينا” التي صارت أكثر جذبا للمقامرين، الذين يرون نجاحات بعضهم على أمل أن يكون لهم نصيب من الحظ، لكن الواقع أن حال المقامر لا يتقدم بل يشتري بماله مأساة مستقبله.
هي حكايات مختلفة، مضحكة في الكثير من تفاصيلها، مع ما تحمل من أسى وألم لأسر تعيش تحت رحمة إدمان أحد أفرادها القمار، أسر ضاعت بين مخالب محلات القمار التي لا ترى في المقامر سوى آلة مدرة للدخل وجب استغلالها حتى النهاية.
ومع توجه المقامرين نحو الإفلاس، يتوجه معه صاحب محل القمار نحو تضخيم أرصدته البنكية على حساب مآسي القوم، ولنا في زايو أمثلة مؤلمة لأشخاص باعوا ما يملكون، وتوجهوا لبيع ما تملك أسرهم، ومازالوا مصرين على المضي قدما في مشاريعهم التي تدفع نحو الإفلاس ثم الإفلاس إلى النهاية المأساوية.
يعتبر موضوع الإفلاس من المواضيع التي لا يكثر النقاش حولها رغم تسببها في العديد من المشاكل لعائلات بزايو، حيث منهم من باع منزله وخسر أمواله لملازمته محلات القمار، ومنهم من فرط في كل ما يملك ليعلن طلاقه مع زوجته وأبنائه لعجزه على إعالتهم.
من المقامرين من لا عمل له، سوى جمع بضعة دريهمات ليمدها في سبيل خيل غير عاقل لا يدرك أزمات الأسر التي ضاعت بسببه، ومن المقامرين من ظل حبيس ورقة مكتوب عليها أرقام لم تجلب له السعادة أبدا لكنها بسحرها فرضت عليه السجن الأبدي بين أسطرها.
وقبل هذا وذاك، أليس القمار حراما يدخل صاحبه جهنم؟ أليست المآسي التي سببها كافية لمحاربته؟ أم أننا تطبعنا على الحرام حتى صارت الأفعال المحرمة عادية بينا.