يحلّ، شهر رمضان (1445هـ – 2024م) المُعظّم، وتحل معه ذكريات تكاد لا تنصرف عن أذهان المغاربة مهما ترادفت الأيام. من ضمنها، ذكرى إعدام عميد الشرطة (الكوميسير) الشهير محمد مصطفى ثابت، الشهير بـ«الحاج ثابت». حدث ذلك في شهر رمضان من العام 1993.
الحاج ثابت، «كوميسير» ذاع صيته في مختلف أرجاء المملكة، في وقت كانت فيه وسائل الإعلام منحصرة فقط في الصحف الورقية والإذاعات والتلفزيون. لم يكن حينها الإعلام الرقمي قد رأى النور، لكن اسم الحاج ثابت وقضيته انتشرا في مختلف الأوساط انتشار النار في الهشيم، وكان الملف حديث المجالس في كل الأوقات.
أول فصول القضية!
أول فصول قضية محمد مصطفى ثابت كان في شهر رمضان من العام 1990، حينما تقدمت سيدة بشكاية لدى مصالح الأمن الوطني بمنطقة الحي المحمدي – عين السبع، بمدينة الدار البيضاء، اتهمت من خلالها شخصا، يحمل اسم «حميد»، باغتصابها واحتجازها، متهمة إياه أيضا بتصويرها في أوضاع مخلة، ما هزّ أركان بيوت عائلتها الكبيرة والصغيرة، كيف لا والأمر يتعلق بما اعتبره متابعون «فضيحة».
رئيس مصلحة الشرطة القضائية الذي استقبل أولى المشتكيات، تعامل بجدية كبيرة مع الموضوع، نظرا لخطورته، وسخّر رجاله لتعميق البحث عن المزيد من الحقائق حول القضية، وهو ما أسفر عن تحديد هوية المشتبه فيه، الذي لم يكن سوى الحاج ثابت المتستر تحت غطاء الاسم المستعار «حميد».
بعد ثلاث سنوات من التحقيق، وتحديدا في شهر يناير من العام 1993، انفجرت قضية الحاج ثابت من جديد، فذاع صيتها لدى الرأي العام مرة أخرى، لكن هذه المرة بغزارة أكبر، وما أضفى سمة الإثارة على الملف هو عثور عناصر الشرطة، المكلفة بالتحقيق، على ما يقارب 118 شريطا إباحيا، ظهرت من خلال 518 سيدة.
هنا بدأ يتضح أن القضية باتت تأخذ منعرجات أكثر خطورة وأخذت خيوطها مسالك أكثر وعورة.
علاقة الحاج ثابت بضحاياه!
في اعترافاته لدى عناصر الشرطة القضائية، بمنطقة الحي المحمدي – عين السبع بمدينة الدار البيضاء، خلال مرحلة البحث التمهيدي، قال الراحل الحاج ثابت إنه «كان في كل يوم يتوجه إلى أبواب المدارس والكليات أو الشوارع على متن سيارته، ويعرض على المارات مرافقته، وكلما ركبت معه إحداهن يتحايل عليها وإن رفضت يهددها ويذهب بها إلى شقته الموجودة بشارع عبد الله بن ياسين».
عثور عناصر الشرطة على 118 شريطا داخل شقة المشتبه فيه حينها، استنادا إلى أبحاثها ومصاردها الخاصة، حدّد هويات معظم الفتيات والنساء اللواتي وقعن في شباك الحاج ثابت، ثم جرى الاستماع إلى أقوالهن للتأكد من مدى مشاركتهن (أو بعضهن) في عمليات إنتاج «الفيديوهات الخليعة»، ثم بعدها حدد القضاء المغربي موعد محاكمة أشهر شرطي في زمانه.
مُحاكمة ليست ككل المحاكمات!
من عايشوا حقبة الحاج ثابت وكانوا أكثر قربا من أطوار محاكمته، أقرّوا أنها وُصفت آنذاك بـ«محاكمة القرن»، فـ«نجمها» الأول هو الشرطي الشهير الحاج ثابت، الرجل الذي كان يُوثّق أشرطة الفيديو بنفسه، فتحوّل إحساسه بها من «تلذّذٍ» إلى مرارة شديدة، سيما أن المحققين عاينوها خلال أطوار المحاكمة، في جلسات سرية، فغاب غطاء الستر عن مُقترفي الجرائم والمشاركين فيها (وحتى ضحاياها للأسف).
خلال الجلسات الأولى من «محاكمة القرن»، ظلّ الحاج ثابت متمسكا بشخصيته القوية ومعنوياته المرتفعة، وفقا لما أكدته مصادر متطابقة، إلا أنه مع توالي الجلسات وظهور المزيد من الحقائق والأدلة التي لم تكن في صالحه، بدأ «الكوميسير» يُدرك، في قرارة نفسه، أن القضية أضخم مما تصوّر، فانهارت قِواه، ثم بدا منهزما ومستسلما للواقع.
الحاج ثابت، وبعدما اتضحت لديه معالم ضلوعه في الجرائم المقترفة، اعترف بالمنسوب إليه، مؤكدا أنه مارس الجنس على حوالي 500 امرأة وفتاة، بالغات وقاصرات، وكان يعمد إلى تصوير جميع أفعاله الجنسية التي كانت تجمعه بضحاياه ويضمها إلى أشرطة مصوّرة توثّق الجرائم التي توبع على خلفيتها، بحيث كان يحتفظ بها في شقته.
وبتاريخ 15 مارس 1993، أصدرت غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف، في الدار البيضاء، حضوريا ونهائيا، حكما بالإعدام على محمد مصطفى ثابت، مع تحمل الصائر والإجبار في الأدنى وبإتلاف الأشرطة المحجوزة ومصادرة المحجوزات: الكاميرا والتلفزة والفيديو والسيارة لفائدة الدولة، وبإغلاق الشقة الكائنة بشارع عبد الله بن ياسين بالبيضاء.
إحساس بالوداع الأخير!
في وقت مُبكّر جدا من يوم 5 شتنبر من العام 1993، وهو أحد أيام شهر رمضان، أُخبِر الحاج ثابت بأنه «سيتم نقله من سجن القنيطرة صوب مؤسسة سجنية أخرى»، إلا أن هذا الإخبار جعله يُحسّ بالوداع الأخير ويُدرك بأنه متوجه لتنفيذ عقوبة الإعدام في حقه. ذلك ما حدث بالفعل، فكان من ضمن آخر كلماته أنه رفض وضع ضمادات على عينيه، ثم قال: «لقد حوكمت بأفعال يأتيها كثيرون، وإن من حوكموا معي أبرياء»، وفقا لما أوردته صحف ورقية قبل ما يقارب 30 سنة.
هذا، وتجدر الإشارة إلى أن محمد مصطفى ثابت كان آخر من طُبّق في حقه حكم الإعدام بالمغرب، رغم أن مختلف محاكم المملكة قد أصدرت أحكاما بالإعدام في حق متهمين كُثر بعده، إلا أن تطبيقها لم يتم منذ 5 شتنبر من العام 1993. كذلك، لم يلغِ المغرب عقوبة الإعدام من ترسانته القانونية، وهي موجودة في القانون الجنائي باعتبارها «عقوبة جنائية أصلية»، بينما يطالبُ حقوقيون مغاربة بإلغائها وعدم تطبيقها «على اعتبار أنّ الحركية الكونية لحقوق الإنسان أنهت بشكل كليّ هذه الأحكام، ولم تعد موجودة في عدد من الدّول».