بلال التليدي
أثارت زيارة ستيفان دي ميستورا، المبعوث الشخصي للأمين العام الأممي المكلف بملف الصحراء، إلى جنوب إفريقيا ردود فعل رسمية مغربية قوية، وكشفت عن بوادر اندلاع أزمة بين الرباط وبين المبعوث الأممي، وذلك بسبب ما تراه الرباط تجاوزا للخطوط الحمر في إدارته لمهمته في الوساطة لتسوية النزاع.
المتحدث الرسمي باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، برر الزيارة بالقول إن دي ميستورا توجه إلى جنوب افريقيا بدعوة من حكومة هذه الأخيرة، وأنه سيشارك في اجتماعات تتعلق بقضية «الصحراء المغربية» مع كبار مسؤولي البلد، وأضاف أن المبعوث الشخصي يذهب للتحدث مع الأطراف التي يعتقد أنه يريد نقاش الملف معها، وأن ذلك من حقه وهو يدخل في صلب اختصاصاته، وأن الهدف هو الدفع بالعملية الأممية.
الصحراء، انحازت إلى الموقف المغربي، ودعمت مغربية الصحراء، فالولايات المتحدة الأمريكية اعترفت رسميا بمغربية الصحراء، وإسبانيا غيرت موقفها كليا ودعمت الموقف المغربي، وحوالي أربع عشرة دولة أوروبية، دعمت المقترح المغربي.
الثالث: أن الاعتبارات الاستراتيجية في منطقة الساحل جنوب الصحراء، تدفع بقوة في اتجاه تسوية نزاع الصحراء لجهة دعم الموقف المغربي، وتجعل من استدامة الصراع في هذه المنطقة واحدا من أهم الأوراق التي تربك الأمن والاستقرار بالمنطقة، وتعرقل التجارة الدولية، وتسمح بتغول النفوذ الروسي بالمنطقة.
هذه المؤشرات الثلاثة، إذا قرئت مجتمعة، تخلق الشعور بالمفارقة تجاه موقف المبعوث الشخصي الأمين العام، وهل تسعى الأمم المتحدة من خلال هذا السلوك إلى بعثرة الأوراق، أو معاكسة الدينامية التي تسير بوتيرة سريعة في اتجاه طي ملف النزاع من خلال تبني المقترح المغربي، وهل يدفع ذلك الرباط إلى إعادة تقييم موقفها بشكل كامل، خاصة وأنها وضعت ملف التطبيع كأحد أهم الأوراق الحاسمة لحسم الملف بحكم الضمانات التي قدمتها واشنطن.
التحليل الذي يفك جزءا من هذه المفارقة، يرتبط بتقديرات استراتيجية أمريكية، ترهن مستقبل المنطقة بديمومة الصراع حول قضية الصحراء، وتضبط إيقاع تسارع الديناميات بعدم حصول اختلال في التوزان الاستراتيجي بين المغرب والجزائر لاسيما في مجال التسلح، ما يكشف ذلك، أن تقارير عدة صدرت مؤخرا تشير إلى تفوق المغرب العسكري على الجزائر، وأن هناك تخوفا من أن يحسم المغرب الصراع لصالحه، على الشاكلة التي حسمت بها أذربيجان الصراع مع أرمينيا حول إقليم «ناغورني كاراباخ» خاصة وأن التقرير يشير إلى وجود تشابه بين الأسلحة النوعية التي حصل عليها المغرب مؤخرا، وتلك التي حصلت عليها باكو، وحسمت به الصراع لصالحها في وقت وجيز. كما صنف موقع «إنسايدرمانكي» الأمريكي المتخصص في التصنيفات وتحليل البيانات المغرب في المركز الثالث ضمن قائمة بأقوى 15 دولة في افريقيا خلال العام 2024 معتمدا في ذلك عددا من المؤشرات الفرعية من بينها قضية التسلح، وأشار إلى أن الجيش المغربي مجهز بأسلحة غربية متطورة وحديثة، وأن المغرب بفضل علاقاته مع العديد من الدول تمكن من تحسين قدراته العسكرية وضمان التفوق.
والمثير في الأمر، أن مدريد، أبدت تخوفها من التفوق العسكري المغربي، فقد نقلت صحيفة «لاراثون» الإسبانية تخوف المسؤولين الإسبان، من حصول المغرب على منظومة «هيمارس» الصاروخية من الولايات المتحدة، وأن ذلك سيضمن للمملكة المغربية تفوقا في هذا المجال على إسبانيا، سيستمر إلى غاية 2028.
في الجوهر، الرسالة التي ينبغي للمغرب أن يلتقطها من سلوك دي ميستورا، أنه لا يمكن الوثوق بالموقف الأمريكي، وأنه في اللحظة التي تختل فيه التوازنات كما تقدرها واشنطن، يتم فيها إخراج بعض الأوراق دون احترام المعايير القانونية الحاكمة، وأن الثمن الذي قدمه المغرب (التطبيع) لن يشفع له، إن أثبتت النظارة الاستراتيجية الأمريكية أن حساباتها قد أربكت، ولذلك، لا غرابة أن تصير جنوب افريقيا المذمومة هذه الأيام أمريكيا وإسرائيليا، ورقة يتم تحريكها لإزعاج المغرب وردع رهاناته لكسب ملف وحدته الترابية.